لهذه الأسباب خاطرت إيران ببيع الصواريخ الباليستية لروسيا
وعد الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان بالعمل على تخفيف العقوبات الدولية خلال حملته الانتخابية (أ ف ب)
في حلقة جديدة من سلسلة العقوبات المفروضة ضد إيران، أعلنت عدة دول غربية بقيادة الولايات المتحدة الأسبوع الجاري، عن عزمهم فرض عقوبات جديدة ضد طهران لقيامها بتصدير صواريخ باليستية لروسيا الواقعة بالفعل تحت عقوبات غربية واسعة منذ الحرب التي تشنها في أوكرانيا قبل أكثر من عامين.
تنطوي العقوبات الأميركية الجديدة ضد إيران، على فرض عقوبات على الخطوط الجوية الرئيسية للدولة، في حين أعلن ثلاثة حلفاء أوروبيين رئيسيين أنهم سيتحركون للقيام بالشيء نفسه. واستعرض وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، العقوبات ضد الخطوط الجوية الإيرانية خلال زيارته للندن الثلاثاء، واصفاً إمداد إيران للصواريخ إلى موسكو بأنه "تصعيد دراماتيكي".
ووصف وزراء خارجية فرنسا وبريطانيا وألمانيا نقل الصواريخ بأنه "تهديد مباشر للأمن الأوروبي". وإضافة إلى العقوبات، قالوا أيضاً إن بلدانهم "ستتخذ خطوات فورية لإلغاء اتفاقيات الخدمات الجوية الثنائية مع إيران". وقالت الدول الأوروبية الثلاث في بيان مشترك، "لقد أوضحت إي 3 (في إشارة إلى الدول الثلاث) بشكل خاص وعلني أننا سنتخذ تدابير جديدة ومهمة ضد إيران إذا حدثت عمليات النقل". وأعلنت بريطانيا "وقف كل الخدمات الجوية المباشرة" إلى إيران، فيما فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات جديدة مرتبطة بإيران وروسيا شملت ثلاثة كيانات منها الخطوط الجوية الإيرانية وخمس سفن لتمكينها طهران من تسليم الأسلحة إلى موسكو. وستؤدي هذه الخطوة إلى تقييد قدرة إيران على الطيران إلى أوروبا والمملكة المتحدة، ما من شأنه أن يؤثر في حركة المسافرين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
نفت إيران تسليم صواريخ باليستية لروسيا، ووصف المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني في منشور على منصة "إكس" التصريحات الغربية بأنها "دعاية قبيحة" وكذب، قائلاً إن هدفها إخفاء "أبعاد الدعم المسلح غير القانوني الذي تقدمه الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية للإبادة الجماعية في قطاع غزة"، إذ تخوض إسرائيل حرباً مع حركة "حماس". ومع ذلك، لا تنفي كلا من الإيرانيين والروس تسلم روسيا لمسيرات إيرانية تم استخدامها بالفعل في أوكرانيا. كما أن موسكو تستخدم ذخيرة وصواريخ من كوريا الشمالية.
مخاطرة محسوبة
منذ أسابيع كانت هناك تقارير تتحدث عن استعداد إيران لإرسال صواريخ باليستية من طراز "فاث-360" و"أبابيل"، لروسيا، وأنها بدأت بالفعل تدريب عسكريين روس على استخدامها، وهو ما تبعه تحذيرات أميركية وأوروبية.
إقدام طهران على الخطوة معلومة أخطاره مسبقاً للدولة الواقعة تحت كاهل العقوبات الدولية منذ سنوات طويلة، كما يقوض آمال تهدئة التوترات مع الغرب التي سعى لها الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان، معرباً عن آماله سابقاً في تحسين الاقتصاد المحلي من خلال تخفيف العقوبات الأوروبية والأميركية. فقبيل انتخابه، وعد بزشكيان بالعمل على رفع العقوبات وتطوير علاقات أكثر توازناً مع الشرق والغرب، وبخاصة أوروبا. وقد أكدت غالبية اختياراته للمناصب الدبلوماسية في حكومته، بما في ذلك الاحتفاظ بوزير الخارجية السابق جواد ظريف كمستشار، هذه النية، وبدأ بالفعل نقاش حيوي في طهران حول مدى التوافق الحقيقي بين مصالح إيران وروسيا. ما يدفع بالتساؤل عن أسباب اتخاذ طهران تلك المخاطرة وما الذي ترغب في الحصول عليه من موسكو.
في حين يشير مراقبون إلى أن علاقات إيران العسكرية مع روسيا تخضع بشكل كبير لقرار المرشد الأعلى علي خامنئي، فإن ثمة حاجة عسكرية ربما دفعت طهران لاتخاذ المخاطرة. فوفق تقارير سابقة، سعت إيران منذ فترة طويلة للحصول على طائرات مقاتلة من طراز "سو-35" وأنظمة صواريخ الدفاع الجوي "أس-400" من روسيا، لكن موسكو لم تسلمها بعد. وذكر تقرير صدر في أغسطس (آب) الماضي، عن مركز جيمس مارتن لدراسات منع الانتشار في كاليفورنيا بالولايات المتحدة، أن هناك العديد من أنظمة الأسلحة والتقنيات الروسية الأخرى التي ترغب طهران في الحصول عليها. ويذكر التقرير إنه إذا ظهر أي من هذه الأنظمة والتقنيات في إيران، فسوف يُنظر إلى هذا باعتباره دليلاً على أن نقل الصواريخ الباليستية قصيرة المدى إلى موسكو هو في الواقع علامة على زيادة النفوذ الإيراني على روسيا.
ويرى زميل مركز تحليل السياسات الأوروبية فريدريكو بورساري، أن بيع الصواريخ الباليستية لروسيا لا يفيد طهران فقط من الناحية المالية، بل وأيضاً يمنحها الفرصة بشكل غير مباشر لاختبار قدراتها والوصول إلى بيانات قيمة حول أدائها ضد بعض أنظمة الدفاع الجوي الأكثر تقدماً في الغرب. وهذا من شأنه أن يسمح للقوات والمهندسين الإيرانيين بتعلم دروس مهمة وتحسين ترسانتهم الصاروخية قبل الصراعات المحتملة في المستقبل. وعلاوة على ذلك، فإن القدرة على تسليم كميات هائلة من المعدات العسكرية الجيدة إلى روسيا، بغض النظر عن سنوات من العقوبات الدولية، تزيد من هيبة صناعة الدفاع الإيرانية وتعزز صورة إيران كزعيم بين الدول المعادية للغرب.
تعاون أعمق
نقلت وكالة "تاس" الروسية للأنباء الثلاثاء، عن الأمين العام لمجلس الأمن الروسي سيرغي شويغو قوله إن روسيا أكملت تقريباً جميع الإجراءات المطلوبة لتوقيع معاهدة ثنائية جديدة مع إيران قريباً. وأضاف شويغو: "نتطلع إلى إبرام معاهدة أساسية جديدة بين الدولتين قريباً. نعمل على إنهاء الإجراءات الداخلية اللازمة لإعداد الوثائق من أجل توقيع الرئيسين عليها".
ويقول تقرير مركز جيمس مارتن إن أهمية العوامل التي كانت تاريخياً محركات رئيسية للتعاون الدفاعي - العداء المشترك تجاه الولايات المتحدة أو اهتمام كل جانب بالتكنولوجيا العسكرية التي يمكن للجانب الآخر تقديمها – ازدادت منذ غزو روسيا لأوكرانيا. وعلى خلفية الاعتماد الروسي المتزايد على إيران والعداء الإيراني- الروسي المشترك تجاه الغرب، تراجعت أهمية القيود الرئيسية المتمثلة في قابلية روسيا للتأثر بالضغوط الأميركية أو الغربية مما يجعلها تحد من تعاونها مع إيران ومخاوف الروس بشأن الالتزام بمعايير منع الانتشار وأنظمة مراقبة الصادرات والمخاوف بشأن سمعة روسيا عند التعاون مع إيران وعدم قدرة الأخيرة على دفع ثمن التكنولوجيا الروسية وانعدام الثقة التاريخي.
وكيل قوي
في حين قد ترغب طهران في أن تنقل موسكو طائرات "سو-35" وصواريخ "أس-400" وأنظمة وتقنيات أسلحة أخرى، فإن تسلمها على الفور قد لا يكون الهدف الأساسي للقيادة الإيرانية بحسب زميل المجلس الأطلسي في واشنطن مارك ناتس. إذ يرى ناتس أن طهران لا تقوم غالباً بعمليات عسكرية مباشرة بنفسها، بل تفضل العمل من خلال وكلاء، مثل "حزب الله" والحوثيين وقوات الميليشيات الشيعية الأخرى في العراق. ومن هذه الزاوية، ربما تنظر طهران إلى روسيا ليس باعتبارها قوة عظمى بقدر ما تنظر إليها باعتبارها وكيلاً آخر؛ فاستعداد موسكو لمحاربة عدو مشترك يعود بالنفع على إيران ويسمح لها بتجنب تكاليف محاربة هذا العدو المشترك. وبطبيعة الحال، لا تشكل أوكرانيا تهديداً لإيران، ولكن بقدر قيام الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية بتكريس اهتمامها ومواردها لدعم أوكرانيا، فسيكون لديها موارد أقل للتعامل مع إيران.
ويرى المراقبون أن القلق الأكبر لدى طهران قد يكون أن تخسر روسيا حربها مع أوكرانيا، وأن توجه الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين تركيزهم نحو إيران. بالتالي فإن إرسال المسيرات أولاً والآن الصواريخ الباليستية قصيرة المدى إلى روسيا قد يُنظَر إليه باعتباره استثماراً جيداً من جانب طهران سواء تلقت أنظمة الأسلحة الروسية في المقابل أم لا. وهذا الموقف من شأنه أيضاً أن يتماشى إلى حد كبير مع الطريقة التي تفضل بها إيران دعم الوكلاء الذين يقاتلون عدواً مشتركاً بدلاً من خوض المعركة بنفسها.
ومع ذلك، ربما لا ترغب موسكو في إرسال الأسلحة المتطورة إلى إيران ما من شأنه أن يؤثر في قدرتها على الحفاظ على علاقات جيدة مع دول المنطقة ولاسيما السعودية والإمارات. ويقول ناتس إن حتى إيران ربما لا ترغب في حدوث هذا، ويوضح أن التعاون السعودي- الروسي في إطار صيغة "أوبك+"، التي تحافظ على أسعار النفط العالمية مرتفعة نسبياً، يخدم المصالح الإيرانية أيضاً. ويتعين على كل من روسيا وإيران بيع نفطهما بخصم بسبب العقوبات الغربية، ولكن إذا استنتج السعوديون أن روسيا أصبحت حليفة ثابتة لإيران وقرروا بالتالي زيادة إنتاج النفط، فإن انخفاض أسعار النفط الناتج من ذلك من شأنه أن يلحق الضرر بكل من موسكو وطهران.