دمشق لم تعد الملاذ الآمن للقيادات التابعة لإيران... فما هي وجهتها المقبلة؟
حرب اغتيالات غير مسبوقة تشهدها العاصمة السورية دمشق (اندبندنت عربية)
لا تنأى إسرائيل بنفسها عن أي هدف يرصد حتى ولو لم يكن ضمن سلسلة بنك المعلومات المتوافر لديها، مستخدمة أسلوب الأرض المحروقة عبر قصف كامل المكان بالصواريخ الموجهة إمعاناً منها بنجاح إنجاز المهمة، وهي السياسة التي درجت عليها الطائرات الإسرائيلية من دون اعتبار لوقوع ضحايا من المدنيين.
وتعيش دمشق هذه الأيام حرباً معلنة على عناصر وقادة "حزب الله" اللبناني أينما وجدوا داخل سوريا، في حرب اغتيالات غير مسبوقة تشهدها العاصمة وتصاعدت وتيرتها مع شن إسرائيل معاركها في قطاع غزة والجنوب اللبناني.
لكن الأمر تطور خلال الأسابيع القليلة الماضية إلى قصف شبه يومي طاول منازل وشققاً سكنية، بالتوازي مع استهداف المعابر والممرات الخفية وغير الشرعية بغية وقف تمرير الدعم والتنقل بين سوريا ولبنان.
وظل حي المزة الدمشقي أكثر الأحياء السكنية تلقياً للهجمات الصاروخية على خلفية إقامة شخصيات رفيعة المستوى من ضباط ومستشارين إيرانيين وضباط في "الحرس الثوري"، إضافة إلى قيادات من "حزب الله"، وآخر الضربات استهدفت قياديين من حركة "الجهاد الإسلامي".
وأودت الضربة الأخيرة الخميس الماضي بحياة 20 شخصاً، إضافة إلى 21 جريحاً بينهم أعضاء في حركة "الجهاد"، وقالت تل أبيب حينها تعليقاً على العملية إنها استهدفت أصولاً ومقار قيادية تابعة لحركة "الجهاد" في دمشق، وليست عملية اغتيال، وقد خطط لها مسبقاً، بينما أتى القصف في وقت زيارة مستشار المرشد الأعلى الإيراني علي لاريجاني للعاصمة دمشق.
لعبة التخفي لا تنفع
في غضون ذلك اتسعت دوائر الحرب منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 ولم تقتصر على الضربات العسكرية، بل شملت ملاحقة ومراقبة مستمرة لقياديي الأحزاب والفصائل في كل مكان.
ويرى مراقبون أن "دمشق لم تعد كما ملاذاً آمناً بل باتت أكثر خطورة من ذي قبل، كما لم يعد أسلوب التخفي والإقامة بين الأحياء السكنية أو في أي مدينة سورية يجدي نفعاً، وسط حديث عن تسريبات أمنية منذ قصفت تل أبيب مقراً دبلوماسياً تابعاً للسفارة الإيرانية في دمشق خلال اجتماع أمني لشخصيات من الصف الأول في فيلق القدس".
ويمر "حزب الله" اللبناني بأصعب ظرف منذ تأسيسه عام 1982، إذ تعاني قياداته وكوادره جملة من التحديات، وأشار الباحث السياسي نظير الكندوري إلى ثلاثة منها تتمثل في "التحدي الوجودي الذي يهدد باستئصال الحزب، وكذلك احتمال تخلي إيران عنه في أقرب صفقة يمكن أن تبرمها مع الإدارة الأميركية الجديدة بقيادة دونالد ترمب، أما الثالث فيطرح احتمال تخلي دمشق عن الحزب".
وانطلاقاً من كل هذه المعطيات الخطرة فإن بقاء قياداته في سوريا يُعد مخاطرة كبيرة، إذا ما أخذنا في الاعتبار عدم رغبة النظام في بقائهم داخل البلاد بسبب ما يتعرض له من ضربات.
وشرح الكندوري في حديثه إلى "اندبندنت عربية" عن "محاولة روسيا تقليل وجود الجماعات الإيرانية ورغبتها في الاستئثار لنفسها بالنفوذ المطلق، ناهيك عن التلميحات الأميركية التي تريد من إيران فك ارتباطها بالجماعات الموالية لها في سوريا ومن ضمنها 'حزب الله' في مقابل التوصل معها إلى صفقة تفرج عن بعض أموالها المجمدة وتخفف العقوبات عنها".
أضاف، "سياسة إيران في توسيع نفوذها على حساب الدول العربية قاربت على نهايتها، فالإدارة الأميركية الجديدة لن تكتفي بالحد من طموحات إيران النووية وإنما تريد إنهاء تمددها على حساب الدول العربية، وبالتأكيد فهذه الرغبة الأميركية ليست نابعة من تعاطفها مع الشعوب العربية ولكن لأنها تعتقد أن تعاظم النفوذ الإيراني في دول المنطقة سيشكل خطراً على إسرائيل ومصالح الولايات المتحدة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الدفاع عن المقاومة
في غضون ذلك تساور الشارع السوري مخاوف من امتداد الحرب واتساع رقعتها، ولا سيما مع التصعيد الأخير عبر القصف المتكرر لدمشق وريف حمص ومناطق حدودية مع لبنان، وتوغل الجيش الإسرائيلي داخل الأراضي السورية الحدودية، على رغم استبعاد حصول أي رد من قبل إيران أو روسيا على الصواريخ والطائرات الإسرائيلية.
وكشف مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبدالرحمن عن وجود وثيقة مسربة منذ عام 2021 تطلب فيها دمشق من طهران تزويدها بمنظومة دفاع جوية، وقد طرحت الوثيقة تساؤلات حول أسباب عدم دعم الجيش النظامي ومنظوماته بالدفاعات الجوية لتتصدى للطائرات الإسرائيلية.
في المقابل أكد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي استمرار العلاقات القوية بين طهران ودمشق، بدليل زيارات المسؤولين الإيرانيين إلى العاصمة السورية، ومنها زيارة علي لاريجاني، وبقاء المستشارين العسكريين الإيرانيين هناك يهدف إلى تأكيد دعم طهران المستمر للفصائل والنظام.
سيناريو النزوح
في الأثناء تشير التوقعات إلى مغادرة عناصر الحزب الساحة السورية للنجاة، خصوصاً أن مسألة تستر شخصيات من خلال الإقامة داخل أحياء سكنية راقية مثل المزة وكفر سوسة وسط العاصمة بات مكشوفاً، علاوة على كون هذه الأحياء حساسة لما تحويه من مقار حكومية وأمنية ودبلوماسية، ومقار للمنظمات الدولية.
وفي معرض رده حول مسألة انتقال قيادات "حزب الله" إلى العراق، وصف الكندوري هذا الإجراء "كمن يذهب إلى مقبرته برجليه، ذلك أن وضع الميليشيات في العراق ليس بأحسن حال مع وصول ترمب إلى السلطة، فكيف لنا أن نتخيل مصير قيادات وعناصر 'حزب الله' في العراق؟ فبالتأكيد لن يكون أفضل حالاً من سوريا، وسيتعرضون للتصفية من الطيران الإسرائيلي أو حتى الأميركي"، وأضاف "أفضل مكان يذهب إليه القادة هو إيران على رغم احتمال تخليها عن دعم الحزب في أقرب صفقة تبرمها مع واشنطن، لكن لن تتخلى عنه لأنها تأمل بأن تفعّل دوره في وقت لاحق كما فعلت مع الميليشيات العراقية خلال ثمانينيات القرن الماضي، فحينما انتهت الحرب العراقية - الإيرانية أوقفت نشاط الميليشيات ضد العراق ثم أعادت تفعيله بعد عام 2003 مع سقوط نظام صدام حسين".
وتوقع الباحث السياسي عدم تطور الأحداث الجارية إلى حرب شاملة مع إيران، لأن السياسة البراغماتية الإيرانية ستدفعها نحو الوصول إلى اتفاق مع واشنطن يجعلها تحافظ على نظامها من السقوط، ولو كان الثمن تخليها عن ميليشياتها المنتشرة داخل المنطقة وانسحابها من مناطق نفوذها.
واستشعر الباحث الكندوري رغبة أميركية خفية لا تُذكر كثيراً في الإعلام، ويقول إن "واشنطن لا ترغب في إسقاط النظام الإيراني وإنما تكتفي بتقليم أظافره وحسب". وتابع أنه "مهما كان خطر إيران على المصالح الأميركية في المنطقة فإنها كانت مفيدة للمصالح الأميركية والإسرائيلية بصورة غير مباشرة، فالتهديد الإيراني دفع عدداً من الدول العربية نحو عقد سلام مع إسرائيل، وكان السبب في شراء تلك الدول السلاح الأميركي بمئات مليارات الدولارات للدفاع عن نفسها ضد التهديدات".