كواليس ليلة سقوط حلب السريع أمام هجوم الفصائل
مسلحون من المعارضة السورية يسيرون في أحد شوارع حلب، في 30 نوفمبر الحالي (رويترز)
لا تشبه ليلة أمس الجمعة أي ليلة من ليالي مدينة حلب، إنها صدمة تسري في أفئدة أهالي المدينة المنكوبة على مدى الأعوام العجاف الماضية. ليلة المفاجآت الغريبة والعجيبة، تشبه ما حدث في مدينة جارة لـ"الشهباء" هي بغداد، حيث لا يكرر التاريخ نفسه، بل تتشابه الأحداث بإسقاط التماثيل ورموز النظام.
بُهِت أهل حلب أمس من توغل مركبات عسكرية تقاطرت من كل حدب وصوب تجول في أحياء سكنية حينما اقتحمت فصائل "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) الجزء الغربي منها، بعد تهاوي خطوط الدفاع الأمامية للجيش النظامي وانسحابها بصورة متسارعة، تاركة الطريق مفتوحاً أمام القوات المهاجمة.
ووصلت قوات المعارضة المسلحة إلى قلعة حلب، وعادت للمرة الأولى لتصل شرق المدينة بغربها بعد آخر المعارك التي دارت بين القوات المتمردة المدعومة تركياً في فبراير (شباط) عام 2017 عندما أحكم الجيش النظامي بدعم روسي وإيراني السيطرة على كامل المدينة حينها. وعادت المعارضة من جديد لتعلن السيطرة على كليات حربية وعسكرية ومن بينها المدفعية في حي الزهراء غرباً، فيما لا تزال "أكاديمية الأسد للعلوم العسكرية" عصية على السيطرة حتى كتابة هذا التقرير.
وفي وقت اكتظ الطريق الوحيد الواصل إلى مدينة حلب (خناصر أثريا) إلى حماة بعد انقطاع الطريق الدولي (حلب - دمشق) هلعاً وخوفاً من أسلوب الفصائل، هلّل الفريق المعارض في الخارج لسقوط المدينة. ودخل المسلحون المعارضون مقر القصر البلدي وسقطت أجزاء من قرى في الريف الشرقي من بينها مطار كويرس العسكري ومطار حلب الدولي، في حين لم تتوقف بعض الفصائل عند السيطرة على مدن سراقب ومعرة النعمان، بل وصلت إلى مدن في ريف حماة الشرقي في مسعى لإسقاط مدينة حماة الواقعة وسط البلاد، مع معلومات عن انسحاب النقاط الروسية من مطار حماة (شاركت روسيا في الحرب السورية عام 2015).
استقبال الأهالي
في المقابل، لاقى طيف واسع من أهل المدينة دخول الفصائل بالدهشة، بينما قابل طيف آخر العناصر المسلحة المنتشرة بين أزقة المدينة بالأهازيج، لا سيما حينما أسقط المسلحون رموز النظام وحرقوا الأعلام وسط التصفيق والتكبير. وبات ملاحظاً التطور التقني العالي الذي اكتسبته القوات المهاجمة من "هيئة تحرير الشام" بعد تدريبات بدأتها منذ أشهر.
ويرى مراقبون أن هذا النصر الساحق وسقوط المدينة بهذه السرعة أتى نتيجة عوامل عدة، أهمها التطور التكنولوجي المتفوق، لا سيما استخدام طائرات مسيّرة سميت "الشاهين" التي أتاحت للمسلحين المعارضين فرصة الإمساك بالجو للمرة الأولى في الحرب بينهم والقوات النظامية منذ عام 2019، حين استعاد الجيش النظامي ريفَي إدلب وحماة. وأثّر في الوضع كذلك انسحاب قوات "حزب الله" إلى لبنان، وتقليص الدعم الروسي بعد انغماس موسكو في المعركة الأوكرانية. وقام التأهيل والحرب النفسية والإعلامية بدور أيضاً، إضافة إلى تغيير زعيم "الهيئة" أبو محمد الجولاني أسلوب جماعته ليكون مشابهاً لأسلوب الجيوش النظامية وتكتيكاتها.
في هذا الوقت، يسرد أحد الجرحى من عناصر الجيش النظامي ما حدث في اللحظات الأولى من تهاوي الخط الدفاعي الأول، حينما فوجئت النقاط الأمامية المرابطة على خطوط التماس الأمامية بدخول عناصر على دراجات كهربائية "بغية عدم سماع صوتها". وأضاف، "لقد فتح عناصر التنظيم النار بكثافة من خلفنا، وتساقطنا الواحد تلو الآخر، وانسحبنا".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
استغراب للسقوط السريع
في هذه الأثناء، تحدث مصدر ميداني من "هيئة تحرير الشام" (فضل عدم الكشف عن هويته) عن استغراب القوات المشتبكة من سرعة سقوط حلب، ويروي أن الجميع كانوا يتوقعون أن تبقى الاشتباكات لأسابيع وأشهر، ولكن لم نتوقع هذا التطور المذهل والسهل، ساعات فقط وسقطت".
وواصل أفراد "هيئة تحرر الشام" استخدام أسلوب "تطميني" وفق المصدر الميداني بعد توجيهات صارمة من الجولاني بعدم اعتراض المدنيين وحمايتهم، في حين قالت إحدى السيدات الحلبيات إن "الحواجز انتشرت في كل أرجاء حلب، وفي فجر اليوم الثاني من ليلة سقوط حلب، كانت فرائصنا ترتعد أنا وعائلتي من المرور أمام تنظيم متشدد، كثير من عناصره ملثمون وهناك أجانب، لكن المفاجأة أنهم قدموا لنا الحلوى وسط تطمينات عن عدم اعتراضنا".
في الجهة المقابلة، سجلت مشاهدات من أوساط شعبية لمعاملة تنتهك حقوق الإنسان بالنسبة إلى الجنود الذين يتم أسرهم، ولم يتمكنوا من الهرب خارج المدينة.
وتُعدّ "هيئة تحرير الشام" تكتلاً من فصائل عدة من تنظيمات المعارضة وتمكنت من السيطرة على مدينة إدلب، شمال غربي سوريا.