هل ستقسم سوريا مع اتساع سيطرة المعارضة فيها؟
مسلحون معارضون في محافظة درعا بجنوب سوريا، 7 ديسمبر 2024 (أ ف ب)
بعد هجوم الـ27 من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بدأت خرائط سيطرة القوى المحلية في سوريا بالتغير، وسقطت كبريات المدن كحلب ثم حماة في يد المعارضة السورية التي تقود أحد أجنحتها "هيئة تحرير الشام"، وباتت على مشارف حمص، ويبدو أن طموح أبو محمد الجولاني زعيم "هيئة تحرير الشام" هو الوصول إلى دمشق من خلال تصريحاته الأخيرة، إذ استخدم فيها اسمه الحقيقي أحمد الشرع بدلاً من لقبه الحركي.
مسلحون معارضون يقفون أمام مبنى البلدية في بلدة إزرع في محافظة درعا بجنوب سوريا، في 7 ديسمبر 2024 (أ ف ب)
تسارع الأحداث
ومع تسارع الأحداث، تتحصن قوات جيش النظام في العاصمة دمشق، في حين تتوالى حركة نزوح عائلات الضباط والموظفين الكبار في الدولة، الذين ينتمي معظمهم إلى الطائفة العلوية باتجاه مناطق الساحل السوري، في حين أن جيوباً صغيرة بدت تظهر خارج سيطرة النظام في أقصى جنوب البلاد وبالتحديد في ريف محافظة درعا، وهي منطقة كانت قد عادت إلى سيطرة دمشق بعد تدخل كل من روسيا وإيران و"حزب الله" في الصراع السوري، وجرت مصالحات خرج على أثرها المسلحون لكن سيطرة النظام وقبضته الحديدية لم تحكم على سكان تلك المناطق.
درعا
ولمنطقة درعا رمزيتها في الأحداث السورية منذ بدايتها في مارس (آذار) 2011، حين انطلقت فيها الاحتجاجات وقمعت قبل غيرها بقسوة، إذ إن مشهد تعذيب الطفل حمزة الخطيب ما زال عالقاً في أذهان سكان المنطقة بعدما قضى في أحد الفروع الأمنية.
وأعلنت فصائل عسكرية، تنحدر من مناطق جنوب سوريا، تشكيل غرفة عمليات عسكرية خاصة بمنطقتها، متعهدة الحفاظ على أمن الحدود الجنوبية للبلاد، ودعت عناصر الجيش السوري إلى الانشقاق عنه، وكذلك طالبت بمساندة الدول مطالبها مع تأكيدها صون المؤسسات المدنية من التخريب، داعية في الوقت نفسه إلى استمرار عملها.
خريطة السيطرة
وتعود أهمية تغير خريطة السيطرة لمصلحة المعارضة السورية إلى أن سيطرتها على محافظتي حلب وحماة، وإكمال السيطرة على ريف إدلب، تحمل وزناً سكانياً واقتصادياً كبيراً منذ تأسيس البلاد وحتى الوقت الحالي، كذلك فإن تمدد هذه السيطرة في ازدياد مستمر، فبعدما كانت نسبة سيطرة فصائل المعارضة تبلغ نحو 11 في المئة من مساحة الأراضي السورية، باتت الآن تتجاوز ربع مساحة البلاد.
وعلى رغم خسارة "قوات سوريا الديمقراطية" "قسد" الجيب الصغير في الشهباء بريف حلب الشمالي لمصلحة فصائل "الجيش الوطني السوري" المعارض، المدعوم من تركيا، التي أطلقت عملية موازية لتحرير الشام عرفت بـ"فجر الحرية"، فإن "قسد" متمثلة بوحدات "حماية الشعب" حافظت على وجودها في حيي الشيخ مقصود والأشرفية بمدينة حلب، ويبدو أنها لن تتنازل عن هذا الوجود وأن المفاوضات تتجه نحو تثبيت هذا الأمر، ولو بصورة مختلفة عن السابق مع "هيئة تحرير الشام" التي كانت جزءاً من تفاهمات إجلاء نحو 120 ألف شخص عبر ممر إنساني نحو مناطق الإدارة الذاتية.
"قسد"
في المقابل فقد تمددت مساحة سيطرة "قسد" في الأطراف الشرقية من البلاد، على رغم اشتباكات دارت بينها وبين فصائل "الجيش الوطني" التي أطلقت "فجر الحرية"، في مناطق غرب الفرات، وباتت في محيط بحيرة سد الفرات التي تضم محطة لضخ المياه نحو مدينة حلب، وكذلك بريف الرقة الجنوبي حيث كانت تحت سيطرة النظام، إضافة إلى مدينة دير الزور، ومطارها العسكري، والقرى السبع بشرق الفرات، ومساحات من البادية الواقعة بين الرقة ودير الزور من جهة غرب الفرات، وكلها باتت تحت سيطرة "قسد" فيما يتوقع أن تزداد تلك المساحة على حساب انسحاب قوات النظام من معظمها.
وقال قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي، أمس الجمعة، في مؤتمر صحافي إنهم بصدد حماية حوض نهر الفرات بكامله، بضفتيه الشرقية والغربية، وهو ما يفسر التوجه السريع لقواته التي من المتوقع أن تسيطر على كامل الضفة الغربية التي تضم مدن دير الزور والميادين والبوكمال الواقعة على الحدود مع العراق.
ومع صعوبة تقدير ما ستؤول إليه الأوضاع النهائية في سوريا جراء التطورات السريعة في الميدان حالياً، إلا أن توزع المساحات وتغيرها هي السمة الأبرز لواقع الحال.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تقسيم؟
ويقول الكاتب والباحث السياسي من مركز الدراسات الكردية شورش درويش "إذا ما توقفت المعارك عند هذا الحد، فإن تقسيماً بصورة ما سيحدث، وربما تتطور صيغته إلى لا مركزية أمر الواقع، وباتجاه اتفاق محدد وفق صيغ سياسية، لكن ما دامت هيئة تحرير الشام في تقدم مستمر في الميدان فإن الأوضاع تسير باتجاه السيطرة على المناطق السورية كافة بما فيها دمشق، وهذا مرتبط بصمود النظام في وجه هذا التقدم، وهذا الصمود غائب من دون الدور الروسي لا سيما بعد خروج الإيرانيين و'حزب الله' من الساحة السورية".
وتابع درويش أن نظام "هيئة تحرير الشام مخيف بالنسبة إلى دول الجوار سواء كانت الأردن أو العراق، وإلى حد ما لبنان".
وحول مناطق نفوذ روسيا في البلاد خصوصاً في الساحل السوري وكذلك العاصمة دمشق ومصيرها، أشار الباحث السياسي إلى أن "موسكو ما زالت تحت وقع المفاجأة ولم تستطع لملمة معطياتها، وكذلك تراجعت تركيا عن خطابها السابق إذ روجت، قبل فترة، أن حلب هي الولاية 82"، في إشارة إلى عودتها لمنطقة نفوذها وضمها لخارطتها السياسية، وغيرت باتجاه ضرورة حدوث تغيرات عميقة في سوريا وابتعدت عن أحلامها السابقة، وتتحضر لما ستؤول إليه الأوضاع وكيف ستنتهي.
تخوف
ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن مناطق ذات غالبية علوية، وهي الطائفة التي ينتمي إليها الرئيس السوري بشار الأسد وقادة كبار في الدولة، وهي المناطق الموجودة بريفي حماة وحمص الغربيين ومحافظتي طرطوس واللاذقية، لم تتحرك "هيئة تحرير الشام" باتجاهها حتى اللحظة، ربما تجنباً لإثارة الحساسيات الطائفية التي اشتدت خلال السنوات السابقة من عمر الأزمة السورية.
إلا أن مؤشرات التخوف من وصول الجولاني إلى دمشق تبرز لدى تل أبيب، التي يمكن أن تتدخل هي أيضاً لحفظ حدودها مع المنطقة الجنوبية لسوريا قرب الجولان ودرعا وربما وصولاً إلى السويداء. ومما لا شك فيه أن البلاد التي تشهد هذا التبدل السريع بفعل قوة السلاح تقف على أعتاب مرحلة جديدة من الصراع ما دام لا عملية سياسية في الميدان تلوح حالياً لأي تسوية بين الأطراف المتنازعة.