نزعة الاستقلالية تجتاح البصرة... "الزبير" رأس الحربة

حال أصبح قضاء الزبير محافظة ستفقد البصرة أهم حقولها النفطية ومنشآتها الصناعية (رويترز)
لم يخطر على بال أي عراقي من البصرة أن يجد نفسه يوماً في محافظة أخرى عندما يكون في قضاء الزبير، لكن ذلك لم يعد ضرباً من الخيال بعد موافقة رئيس مجلس النواب العراقي محمود المشهداني على طلب موقع من عشرات الأعضاء يقضي بفصل قضاء الزبير عن البصرة، وجعله محافظة جديدة.
وقال النائب عن كتلة (صادقون) رفيق الصالحي الذي أعد الطلب، وجمع لتمريره توقيعات 78 نائباً من محافظات وكتل سياسية مختلفة، إن "التحرك باتجاه ترقية الزبير إلى محافظة يهدف إلى إزاحة الإهمال عن القضاء، والنهوض بأوضاعه الخدمية والاقتصادية".
وأكد أن "سكان الزبير البالغ عددهم مليوناً و400 ألف نسمة يعانون ضعف الخدمات العامة، وتفاقم التلوث البيئي، وندرة فرص العمل في مؤسسات القطاع العام، وستكون أحوالهم أفضل بكثير بعد ترقية القضاء إلى محافظة".
ولم تمض إلا ساعات قليلة على إعلان المشروع حتى لاقى رفضاً شعبياً واسعاً في البصرة، ومن بين المعترضين زعيم قبيلة بني تميم الشيخ مزاحم التميمي الذي اعتبر ما يجري "مؤامرة كبرى ضد البصرة، وجريمة لا تغتفر ينبغي الوقوف ضدها"، وفي مقابل موجة الاعتراضات شكلت في الزبير لجنة جماهيرية تعنى بتحفيز سكان القضاء على تأييد المشروع.
تقسيم البصرة
في حال أصبح قضاء الزبير محافظة فذلك يعني بالضرورة فقدان البصرة أهم حقولها النفطية ومنشآتها الصناعية، كحقلي الرميلة والزبير ومصنعي الحديد والصلب، والأسمدة الكيماوية، علاوة على خسارتها ميناءي أم قصر وخور الزبير، وبذلك فإن المشروع يختطف من البصرة جزءاً كبيراً من أهميتها الاستراتيجية، ويحرمها من صفتها الرسمية كعاصمة اقتصادية للعراق، ولذلك جُوبه المشروع بمعارضة شديدة من الإدارة المحلية في البصرة بشقيها التنفيذي والتشريعي.
وبحسب المحافظ أسعد العيداني فإن "البصرة غير قابلة للتجزئة والتقسيم، وإذا كل قضاء يتحول إلى محافظة فالبصرة ستقسم إلى ست محافظات"، بينما يقول رئيس مجلس المحافظة خلف البدران إن "الطلب غير قانوني، ومخالف للدستور"، وهو ينطلق في وجهة نظره من عدم وجود قانون ينظم إجراءات تحويل الأقضية إلى محافظات.
تعقيد قانوني
يخلو الدستور العراقي من أي مادة ترسم المسار القانوني لتحويل القضاء إلى محافظة، لكنه يضم مادة تعالج تحويل المحافظة إلى إقليم، كما تنص المادة (115) من الدستور على أن "كل ما لم ينص عليه في الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية يكون من صلاحيات الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم".
وتتمسك الحكومة المحلية في البصرة بهذه المادة الدستورية في التعامل مع محاولة تحويل الزبير إلى محافظة، معتبرة الرفض أو القبول من صلاحياتها، وتشير بهذا الصدد إلى فقرة ضمن المادة السابعة من قانون المحافظات غير المنتظمة بإقليم رقم (21) لسنة 2008 المعدل تفيد بأن "من صلاحيات مجلس المحافظة المصادقة بالغالبية المطلقة لعدد أعضاء المجلس على إجراء التغييرات الإدارية على الأقضية والنواحي والقرى بالدمج والاستحداث وتغيير أسمائها ومركزها، وما يترتب عليها من تشكيلات إدارية ضمن حدود المحافظة، بناءً على اقتراح المحافظ، أو ثلث أعضاء المجلس".
محافظة حلبجة
لم تؤثر تلك التعقيدات القانونية في مشروع آخر مشابه بلغ مرحلته الأخيرة يقضي بتحويل قضاء حلبجة في إقليم كردستان إلى محافظة، وعلى رغم أن هذا المشروع استغرق 10 أعوام حتى أدرج في الأسبوع الماضي على جدول أعمال مجلس النواب للتصويت عليه، تفيد المؤشرات بقرب إقراره.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويقول المتخصص القانوني طارق البريسم في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، إن "المطالبة بجعل الزبير محافظة رد فعل من قبل بعض نواب البصرة على تحويل حلبجة إلى محافظة". وأضاف أن "عدم وجود تشريع قانوني ينظم تحويل الأقضية إلى محافظات لا يحول دون تنفيذ مشاريع كهذه، إذ يمكن لمجلس المحافظة أن يقدم مقترحاً إلى مجلس الوزراء بتحويل أحد الأقضية إلى محافظة، وإذا وافق مجلس الوزراء على الطلب يحوله إلى مشروع قانون، ويقدمه إلى مجلس النواب للتصويت عليه، وهذا ما فعلته حكومة إقليم كردستان مع قضاء حلبجة".
سيناريوهات محتملة
إذا جرى المضي بخطوات جعل الزبير محافظة فالسيناريوهات المحتملة تشمل لجوء الحكومة المحلية في البصرة إلى المحكمة الاتحادية العليا للطعن، ودخول كتلة (تصميم) المهيمنة على المشهد السياسي في البصرة في مفاوضات تهدف إلى تأسيس تفاهمات مع كتل سياسية أخرى تفضي إلى إلغاء أو تعطيل الطلب، وفق البريسم.
ومن المتوقع البدء بتنفيذ مشاريع عمرانية وخدمية جديدة وتفعيل مشاريع متلكئة في الزبير لتحسين الخدمات العامة بقصد إبطال جزء من المبررات التي يستند إليها طلب تحويل القضاء إلى محافظة.
في هذه الأثناء، وجد بعض المؤيدين لمشروع تأسيس إقليم البصرة في التطورات الجديدة فرصة للدفع بمشروعهم مجدداً إلى الواجهة، إذ اقترحوا تحويل الزبير مع أقضية أخرى في البصرة إلى محافظات، ومن ثم دمجها في إقليم تكون عاصمته البصرة، وهو مقترح لا يبدو عملياً، في ظل عدم توافق القوى السياسية المؤثرة على تأسيس إقليم البصرة، وعدم وجود ضمانات بانضمام محافظات غير البصرة إلى الإقليم في حال تأسيسه.
تاريخ عريق
قبل أن يكون قضاءً، كانت بلدة الزبير لغاية عام 1921 تحكم وفقاً لنظام المشيخة المشابه لما كان سائداً في أرجاء الخليج العربي، ومن الناحية الاجتماعية استوطنت الزبير خلال القرون الأربعة الماضية عشرات الأسر العربية المهاجرة من بلدات نجد، وشكلت مجتمعاً تمتع بخصوصية في لهجته وعاداته وتقاليده، أما سكان الزبير الحاليين فأكثرهم ينحدرون من محافظة ذي قار.
ويكتسب قضاء الزبير أهمية استثنائية في التاريخ الإسلامي، وفيه يوجد أول مسجد بني في العراق، ومن معالمه التاريخية الأخرى مقبرة الحسن البصري التي تضم قبور عديد من الصحابة والتابعين والفقهاء والأدباء، وعلى مقربة منها يقع ضريح الصحابي الزبير بن العوام، الذي منه اكتسب القضاء اسمه.
محاولة سابقة
من منظور تاريخي، لا تبدو منطقية فكرة استقلال قضاء الزبير عن محافظة البصرة، فالبصرة التي دخلها القائد العربي عتبة بن غزوان مع بداية الفتوحات الإسلامية عام 14 هجرية يقع موقعها القديم في الزبير، ولهذا يتساءل بعض المعترضين بتندر "كيف يمكن فصل البصرة عن البصرة؟!".
إلا أن المحاولة تبدو أكثر جدية من محاولة سابقة باءت بالفشل، ففي عام 2019 أصدر المجلس المحلي في الزبير خلال جلسة استثنائية توصية بتحويل القضاء إلى محافظة تمتد حدودها الإدارية من شط البصرة شرقاً إلى تخوم بادية السماوة غرباً، ومن أطراف محافظة ذي قار شمالاً إلى الحدود العراقية الكويتية جنوباً، وأعقب ذلك حراك جماهيري بصيغة تظاهرات سلمية مساندة للمشروع، لكن الحكومة المحلية في البصرة رفضت الموافقة، ولم تتدخل الحكومة الاتحادية (المركزية).