سعد سلوم: عيد الميلاد 2016.. حقائق وأوهام عن المسيحيين
الغى المسيحيون الاحتفال بأعياد الميلاد لأعوام احتراما لطقوس ومناسبات الاغلبية المسلمة في العراق، كما يلغونها اليوم لإن مئات الالاف منهم مقذوفون في العراء ومستسلمون للمجهول.
ما الذي يتعين علينا ان نفعله؟
ليحمل كل منا شمعة ويتقدم نحوهم، تقدموا الى كنائسهم.. الى مزاراتهم.. الى مخيماتهم، ليكن الميلاد "ميلادا لنا" من جديد، ليكن الاحتفال به عاما هذه العام بإقامة شعائر خلاصية لوحدتنا الوطنية.
لتكن صلاتنا مشتركة لعراق واحد، ليكن صوتنا واحدا لبناء الامل في الكنائس.
ليكن هذا الحشد الميلادي تعبيرا عابرا عن الايمان الذي يجمعنا.
تقدموا لنحتفل (معهم) و(بهم) و(من خلالهم) بجرحنا المضيء
.......
ليس هذا المقال سوى شمعة صغيرة احملها وانا اتوجه لكنيسة العراق.
شمعة لتبديد بعض الاوهام في هذه الظلمة الحالكة.
ادعوكم لمشاركتي الرؤية والصلاة:
- ليس المسيحيون "نصارى"، فالمسيحية والنصرانية حسبما يعرف اللاهوتيون المسيحيون تختلفان في مضمونهما الديني والعقدي، وهما يدلان على أمتين وكنيستين ودينين وتاريخين مختلفين.
- النصرانية ليست سوى دين عربي قديم كان منتشرا في الجزيرة العربية، ويمثل أولئك الذين راعوا الأحكام والشعائر اليهودية ولاسيما شعيرة الختان، وكانت اقرب للإسلام منها إلى المسيحية، لا سيما في تصورها عن طبيعة المسيح، وهي غريبة كليا عن المسيحية التقليدية في نجران أو مسيحية الغساسنة والمناذرة.
- اذا كان النص القرآني قد خاطب "النصارى"، فإن المسيحيين المعاصرين غير معنيين بما يقوله القرآن عن النصارى، إلا بما كان مشتركا بينهما، وهذه نتيجة خطيرة يتجنب اللاهوتيون المسلمون والمسيحيون الخوض فيها، وهي بعيدة عن ادراك فقهاء داعش السطحيين ومفسريه الحرفيين.
-لا يقصد المسيحيون بـ"الثالوث" ثلاثة آلهة كما يفهم ذلك المعنى الفقهاء السطحيون. إنما هو تعبير فلسفي لاهوتي. لا يوجد مسيحي يعبد ثلاثة آلهة، الثالوث ليس ثلاثة آلهة، بل الله هو واحد. وهذا الواحد عندما يحب الإنسان يبعث له كلمته، وهذه الكلمة تتجسد في يسوع، وهو ينقل كلمة الله في حياته وتعاليمه. كما موجود في الاسماء الحسنى، إن لله تسعة وتسعين اسما، وهي على تنوعها وتعددها صفات في الذات الإلهية، فذات الله بسيطة غير مركبة، برغم تعدد صفاتها تبقى واحدة.
- لا يقصد المسيحيون بتَجسد المسيح (المسيح ابن الله) انه ولد على أساس علاقة تناسلية، بل هو كلمة الله أو روح الله تجسدت في إنسان اسمه "يسوع"، كما بالنسبة للمسلمين تجسدت في كتاب اسمه "القرآن" الذي يحمل كلمات الله.
-كان المسيحي (مثال الايمان الاول) بالنسبة للمسلم الاول، فقد ضرب القرآن تمسك المسيحيين في نجران بعقيدتهم (قصة أصحاب الأخدود) كمثال للثبات على الايمان وقت الشدة. فكيف اصبحت اليوم تسمية المشرك (دلالة على الوثني) تطلق على المؤمن (المسيحي) الذي كان مثال الايمان بالنسبة للمسلم المؤمن؟.
-كان الملك المسيحي "النجاشي" المعادل لميركل حاليا، هو من فتح حدود دولته المسيحية وقدم الأمن والملجأ للمسلمين المضطهدين، من دون شروط او فيزة او كفيل، بل ورفض تسليمهم لميليشيات مكة من الوثنيين على الرغم من رشاوى مافيات مكة التجارية، فهل يتذكر المسلمون الذين يدعمون تهجير المسيحيين ذلك، وهل تجرأ احد منهم على فتح بلاده وحدوده لهم؟.
-حين اصبح للرسول دولة في المدينة، سمح للقبائل المسيحية بالصلاة في مسجد المدينة عندما بدأ بتأسيس نظامه الكونفدرالي المستقل عن مركزية مكة، بل وضرب الناقوس لإعلان صلاتهم في المسجد، فمن اين جاء فقهاء التكفير اليوم بعدم جواز الدخول الى الكنائس ومنع المسيحيين من دخول المساجد وعدم تهنئتهم باعيادهم ومصافحتهم ومؤاكلتهم؟
-كان الرسول العربي المسلم يقلد المسيحيين في لباسهم وعاداتهم الشخصية، فيروى عنه انه كان يحذو حذوهم في إرخاء شعره عوضا عن فرقه كما كانت عادة أهل مكة. فكان يحب أن يوافق المسيحيين في كل "ما لم ينهه الله عنه". فمن اين جاء فقهاء اليوم بمعاكسة المسيحيين وعدم الاقتداء بهم، ومخالفتهم لمجرد المخالفة؟.
-كان من تصدى للاسلام وحارب المؤمنين الاوائل هم اهالي مكة الوثنيين (اسلاف داعش)، كان هولاء هم من لم يقبل بالرسالة التوحيدية، وحاربوا الرسول واتباعه، في حين دعم المسيحيون اخوتهم في الايمان (المسلمين) في مقابل المشركين الوثنيين، فكيف يكون جزاءهم في ما بعد الجزية أو السيف؟
- شارك المسيحيون المسلمين (أخوة الإيمان والأرض) القتال ضد البيزنطيين (إخوتهم في الدين). فقد سلم أساقفة بلاد الشام المدن إلى المسلمين وتعاونت معهم القبائل المسيحية العربية في طرد البيزنطيين من بلاد الشام.
- ازاء التحالف الايماني الاسلامي المسيحي، لم يكن الإسلام -من وجهة نظر البيزنطيين- سوى فرقة مسيحية ضالة أو مذهب من المذاهب المسيحية المنشقة عن الكنيسة الرسمية، لم يكن الاسلام والمسيحية (بنسختها المشرقية) سوى دين واحد مختلف عن دين سلطة الامبراطورية انذاك، لماذا لم نستطع ان نفهم ذلك بوضوح عبر القرون، افهم في هذا السياق كلمة ادموند رباط".
- تذكر المدونات التاريخية ان القبائل المسيحية العربية قاتلت في بداية الإسلام إلى جانب المسلمين بدلا من تأدية الجزية التي عدتها إهانة لها، فقد كانت تنظر إلى نفسها بوصفها قبائل عربية أصيلة. نتيجة لذلك لم تعف هذه القبائل المسيحية من الجزية فحسب، بل شاركت المسلمين في الغنائم.
- خلف الاضطهاد الذي مارسته الدولة البيزنطية وكنيستها الرسمية ضد المسيحيين الشرقيين من أجل تبني نسخة مجمع خلقدونيا لشخصية السيد المسيح شعورا عميقا من العداء والكراهية للسلطة البيزنطية، وقد قدم المؤرخون أمثلة تقشعر لها الأبدان لهذه الاضطهادات التي مورست باسم المسيح، وكان من أثر هذه الاضطهادات انتفاضات كان من شأنها إنشاء كنيسة وطنية في سوريا (الكنيسة السريانية) وكنيسة وطنية في مصر (الكنيسة القبطية).
-تضرر المسيحيون المشرقيون من الحروب الصليبية اكثر من المسلمين، فقد حطمت كنائسهم وتعرضوا للنهب والسلب والتقتيل على يد الصليبيين، في هذا السياق: أي فهم مبتسر وارعن واي منطق فقهي اجوف يطلق عليهم تسمية بقايا الصليبيين، واي تفسير منحرف يربطهم اليوم بسياسات الغرب تجاه الشرق والعالم الإسلامي من دون أدنى اعتبار للفروقات الثقافية بينهم وبين مسيحي الغرب، أو ارتباط مسيحيي الشرق الصميمي بأراضي الآباء والأجداد في صورة نمطية تشوه حقيقة هوية المسيحية الشرقية وتراثها ومواقف المواطنين المسيحيين.
-لم يكن الصراع داخل المسيحية يعكس اختلافا حول شخصية السيد المسيح فحسب، بل إن هناك عوامل سايكولوجية لها علاقة بالجذور العرقية للشعوب التي تعيش في المنطقة. وكما ولدت الانقسامات اللاهوتية والاضطهادات ذات الطابع الديني انتفاضات وعداء سوريا ومصريا تجاه الإغريق في بيزنطة، ولدت الاضطهادات الساسانية للفرس في العراق حالة عداء سايكولوجي مماثل من مسيحيي العراق من نساطرة ويعاقبة تجاه السياسة المجوسية للدولة الساسانية.
-في الوقت الذي طردت فيه كتبنا التاريخية ومناهجنا الدراسية المسيحيين من مسرح التاريخ العربي الاسلامي، علينا ان نؤكد ونعترف في هذا الميلاد المجيد: ان المسيحيين يعدون اهم اعمدة بناء الحضارة الإسلامية، وصناع الفضاء الثقافي الذي دفع المسلمين لمواجهة اسئلة انطولوجية كانت كفيلة بانطلاقة الحضارة الإسلامية عالميا.. بالتالي لا يمكن تخيل وجود للحضارة العربية الإسلامية، ولا تخيل دور للعرب على مسرح التاريخ من دون المسيحيين؟.
- اذا كانت شجرة العراق مسلمة، فإن جذورها مسيحية. هل يمكن لشجرة ان تحيا من دون جذورها؟
خاص بـ "واي نيوز"