تعرف على أبرز القادة العسكريين الأكثر عبقرية في التاريخ
لطالما كان للقيادة العسكرية الحكيمة الدور الرئيسي في تحقيق انتصارات على الأرض، فما بالك إن تعلق الأمر بقيادات عسكرية عبقرية غيرت مسار التاريخ بخططها وتكتيكاتها غير المألوفة، وهذا ما سنحاول التطرق له في هذا التقرير الذي يسلط الضوء على أبرز القادة العسكريين العباقرة الذين خلدهم التاريخ، لتحقيقهم انتصارات كبيرة على الأرض غيرت مجرى التاريخ السياسي والعسكري العالمي وكذلك الثورة التي أدخلوها على التكتيكات العسكرية باعتمادهم لخطط جديدة ومبتكرة في الحروب.
-
1- سون تسو
عاش سون تسو خلال الفترة الممتدة بين عامي 551 و496 قبل الميلاد، ونشأ في فترة شهدت كثرة في الحروب بين أكثر من 130 مملكة صغيرة في الصين، ما أدى في النهاية لظهور خمس ممالك قوية تنازعت فيما بينها على السلطة والحكم، فساهم ذلك في تعميق حكمته وخبرته العسكرية وصقل مواهبه الحربية.
رحل سون تسو إلى مملكة وو في شرق الصين والمتمركزة حاليًا غرب مدينة شنغهاي، ليباشر عمله على وضع الكتابة الأولى لمؤلفه فن الحرب الذي بلغت شهرة كتاباته الملك، فقد قدم فيه سون تسو 13 مقالة حول فن الحرب ما شجع الملك على تعيين تسو قائدًا عامًا لجيش مملكة تشي، ليعمد بعدها إلى تدريب الجنود وصقل مهاراتهم للمساعدة على تحقيق الانتصار تلو الآخر وتوسعة تخوم المملكة، ويعتبر كتاب فن الحرب مرجعًا أساسيًّا معتمدًا حتى يومنا هذا في أرقى الكليات والأكاديميات العسكرية حول العالم.
-
2- حنبعل
عاش حنبعل خلال الفترة الممتدة بين عامي 247 و182 قبل الميلاد، وهو القائد القرطاجي الذي قاد جيوش قرطاج في الحرب البونيقية الثانية واجتاز جبال الألب حتّى وصل إلى حوض نهر البو بإيطاليا متفوقًا على الإمبراطورية الرومانية.
كان فارسًا مقدامًا يتمتع بثقة وطاعة كبيرتين من قبل جنوده، وعرف بالجرأة والاتزان في مجابهة العدو، وأيضًا بالعبقرية العسكرية، حيث صرح القائد العسكري لحملة عاصفة الصحراء الأمريكي نورمان شوارزكوف بأنه تعلم الكثير من حنبعل، فقد طبق تكتيكاته في التخطيط لحملته على العراق في حرب الخليج.
تبرز عبقرية التخطيط الذي قام به حنبعل في عدة محطات، لعل أبرزها عبوره الانتحاري لسلسلة جبال الألب، وأيضًا معركة كاناي، التي كلّف فيها الخيّالة بمواجهة الخيّالة الرّومانيّين، مع توجيه الأمر للمشاة بالتقهقر ثمّ تطويق المشاة الرّومانيّين، فأصبح الجيش الرّوماني محاصرًا بالجيش القرطاجيّ من كلّ الجهات، في حين تمكّن الخيّالة من الفتك بالخيّالة الرّومانيّين الّذين لاذوا بالفرار، وبذلك انتصر الجيش القرطاجي.
خلال 15 عامًا، احتل حنبعل معظم إيطاليا ليضطر بعد ذلك إلى العودة لمواجهة الغزو الروماني لشمال إفريقيا، وهناك، هزمه سكيبيو الإفريقي في معركة زامة، قبل أن يتم نفيه فيما بعد.
-
3- الإسكندر الأكبر
هو أحد ملوك مقدونيا الإغريق، ويعتبره الكثيرون أحد أشهر القادة العسكريين والفاتحين عبر التاريخ وربما أشهرهم على الإطلاق، وُلد في مدينة پيلا سنة 356 ق.م.، وتتلمذ على يد الفيلسوف أرسطو حتى بلغ ربيعه السادس عشر.
خلف الإسكندر والده، فيليپ الثاني المقدوني «الأعور»، على عرش البلاد سنة 336 ق.م.، بعد اغتيال الأخير. ورث الإسكندر عن والده مملكة متينة الأساس، فاستغل ذلك ليُحقق أهدافه التوسعيّة، وانطلق في عام 334 ق.م. في حملة على بلاد فارس، فتمكن من دحر الفرس وطردهم خارج آسيا الصغرى، ثم شرع في انتزاع ممتلكاتهم الواحدة تلو الأخرى في سلسلة من الحملات العسكرية التي دامت عشر سنوات. تمكن الإسكندر خلالها من كسر الجيش الفارسي وتحطيم القوة العسكرية للإمبراطورية الفارسية الأخمينية في عدّة مواقع حاسمة، أبرزها معركتيّ إسوس وگوگميلا. وتمكن الإسكندر في نهاية المطاف من الإطاحة بالشاه الفارسي داريوش الثالث، وفتح كامل أراضي إمبراطوريته.
بحلول عامه الثلاثين، كان الإسكندر قد أسس إحدى أكبر وأعظم الإمبراطوريات التي عرفها العالم القديم، والتي امتدت من سواحل البحر الأيوني غربًا وصولًا إلى سلسلة جبال الهيمالايا شرقًا. يُعد أحد أنجح القادة العسكريين في مسيرتهم، إذ لم يحصل أن هُزم في أي معركة خاضها على الإطلاق.
خطط الإسكندر الأكبر لغزو الهند لكنه لم يتمكن من القيام بذلك لحدوث تمرد بين قادة الجيش، وكان يخطط أيضًا لفتح شبه الجزيرة العربية لكن الموت المفاجئ عاجله، فمن المعروف أنه مات عن عمر لا يتجاوز الثانية والثلاثين.
-
4- خالد بن الوليد
خالد بن الوليد صحابي وقائد عسكري مسلم، لقّبه رسول الله صلى الله عليه وسلم بسيف الله المسلول، اشتهر بحسن تخطيطه العسكري وبراعته الفذة في قيادة جيوش المسلمين في حروب الردة وفتح العراق والشام، في عهد أبي بكر وعمر في غضون سنوات قليلة بين عامي 632 و636 ميلادية.
لم يهزم هو الآخر في أية معركة خاضها خلال حياته، فهو لم يهزم في أكثر من مائة معركة أمام قوات متفوقة عدديًّا من الإمبراطورية الرومية البيزنطية والإمبراطورية الساسانية الفارسية بالإضافة إلى العديد من القبائل العربية الأخرى. اشتهر خالد بانتصاراته الحاسمة في معارك اليمامة وأُلّيس والفراض، وتكتيكاته التي استخدمها في معركتي الولجة واليرموك، كما لعب قبل إسلامه دورًا حيويًّا في انتصار قريش على قوات المسلمين في غزوة أحد، كما شارك ضمن صفوف الأحزاب في غزوة الخندق. ومع ذلك، اعتنق خالد الإسلام بعد صلح الحديبية، وشارك في عدة غزوات، أهمها غزوة مؤتة وفتح مكة. وفي عام 638، وهو في أوج انتصاراته العسكرية، عزله الخليفة عمر بن الخطاب من قيادة الجيش وولى مكانه الصحابي أبو عبيدة عامر بن الجراح.
انتقل خالد فيما بعد إلى حمص حيث عاش لأقل من أربع سنوات حتى وفاته ودفنه بها.
-
5- جنكيز خان
جنكيز خان الذي عاش خلال الفترة الممتدة بين عامي 1165 و1227، واسمه الحقيقي تيموجين، هو مؤسس الإمبراطورية المغولية التي وصلت القوقاز والدولة الخوارزمية الغربية وإمبراطورية جين. وفي نهاية حياته كانت إمبراطوريته قد احتلت جزءًا ضخمًا من أواسط آسيا والصين، إذ امتدت من المحيط الهادئ إلى بحر قزوين، أي أنها كانت تبلغ في حجمها ضعفي حجم الإمبراطورية الرومانية ودول الخلافة الإسلامية، ثم توسعت لأكثر من هذا في العهود التالية، تحت حكم من أتى من ذريّة جنكيز خان.
وهكذا فقد سيطر على 12 مليون ميل مربع من الأراضي أي أكثر من أي شخص آخر في التاريخ.
اشتهر جنكيز خان بعبقريّة عسكرية خلدته ضمن كبار الفاتحين عبر التاريخ، لكنه يختلف عن الآخرين بسعيه في الأرض فسادًا ودمارًا في كل فتوحاته، فقد عرف بالبأس والدموية والخراب، ويعتقد البعض بأنه مخترع تكتيك الأرض المحروقة الذي يعمد إلى تدمير كل مظاهر الحضارة في المنطقة التي يحتلها جيشه، كما أنه لم يفرق بين النساء والرجال والأطفال في مجازره، وكان يأمر بإعدام كل سكان مدينة أو بلدة إذا ما أعلنت العصيان.
-
6- الظاهر بيبرس
الظاهر بيبرس هو المؤسس الفعلي للدولة المملوكية، عاش خلال الفترة الممتدة بين عامي 1221 و1277 ميلادية، وحقق خلال حياته انتصارات كبيرة ضد الصليبيين والمغول والحشاشين، كان أشهرها معركة عين جالوت الفاصلة ضد المغول، والقضاء على إمارة أنطاكية الصليبية، بدأ حياته كمملوك يباع في أسواق بغداد والشام لينتهي به الأمر كأحد أعظم السلاطين في العصر الإسلامي الوسيط، وتولى الحكم مباشرة بعد معركة عين جالوت واغتيال سيف الدين قطز.
حكم بيبرس مصر بعد قضاء المغول على الخلافة العباسية في بغداد، وأنشأ نظُمًا إداريةً جديدة في الدولة، كما اشتهر بيبرس بذكائه العسكري المعتمد على الضربات الخاطفة والمفاجئة لمواقع العدو، وأيضًا الاهتمام بترميم القلاع وتأمين خطوط الإمداد وتحصين الأطراف والثغور وتزويدها بالجند والسلاح، ووصف بأنه كان يتنقل في ممالكه بسرية تامة دون أن يشعر به الجند إلا وهو بينهم. كما عرف بالإصرار الشديد على بلوغ غايته دون أن يوقفه شيء، واعتمد نجاحه أيضًا على تنظيمه الدقيق وسرعته وشجاعته اللامتناهية ومشاركته الفعلية في المعارك، وكان له دور كبير في تغيير الخريطة السياسية والعسكرية في منطقة البحر المتوسط.
-
7- محمد الفاتح
السلطان محمد الثاني أو الفاتح هو سابع سلاطين الدولة العثمانية، عاش خلال الفترة الممتدة بين عامي 1429 و1481 ميلادية، وتولى الحكم مدة تناهز الـ30 عامًا عرفت توسعًا كبيرًا للخلافة الإسلامية، إذ توغل في آسيا، فوحّد ممالك الأناضول، ووصل إلى بلغراد شرق أوروبا، لكن إنجازه الأعظم يتمثل في إسقاطه للإمبراطورية البيزنطية، بدخوله إلى القسطنطينية عاصمة البيزنطيين، وذلك باعتماده على فكرة غريبة تتمثل في نقل قوته البحرية المشكلة من 70 سفينة بعد صناعة ممر خشبي بري لها، وتجاوز السلاسل الضخمة التي وضعها العدو لمنع أي اختراق بحري، وبالفعل نجحت الخطة وساهمت في عدم تحييد القوة البحرية من المعركة، ومفاجأة العدو، دون نسيان القوة المدفعية التي كانت حديثة نوعًا ما في تلك العصور، ويعتبر الكثير من المؤرخين فتح القسطنطينية خاتمة العصور الوسطى وبداية العصور الحديثة.
تميز عصر السلطان محمد الفاتح بجانب قوة الجيش البشرية وتفوقه العددي، بإنشاءات عسكرية عديدة متنوعة، فقد أقام دور الصناعة العسكرية لسد احتياجات الجيش من الملابس والسروج والدروع ومصانع الذخيرة والأسلحة، وأقام القلاع والحصون في المواقع ذات الأهمية العسكرية، وكانت هناك تشكيلات متنوعة في تمام الدقة وحسن التنظيم من فرسان ومشاة ومدفعية وفرق مساعدة، تمد القوات المحاربة بما تحتاجه من وقود، وغذاء، وعلف للحيوان، وإعداد صناديق الذخيرة حتى ميدان القتال.
كما أحدث صنفًا من الجنود يسمى لغمجية وظيفته الحفر للألغام وحفر الأنفاق تحت الأرض أثناء محاصرة القلعة المراد الاستيلاء عليها، وتطورت أيضًا الجامعة العسكرية في زمن الفاتح وأصبحت تخرج الدفعات المتتالية من المهندسين والأطباء والبيطريين وعلماء الطبيعيات والمساحات، وكانت تمد الجيش بالفنيين المتخصصين.
توفي محمد الفاتح مسمومًا في الخمسينات من عمره، وقيل بأنه كان يعد العدة آنذاك لفتح إيطاليا.
-
8- نابليون بونابرت
نابليون بونابرت هو أحد أشهر القادة العسكريين عبر التاريخ، وحاكم فرنسا وملك إيطاليا وإمبراطور الفرنسيين، عاش خلال الفترة الممتدة بين عامي 1769 و1821 ميلادية، حكم فرنسا أواخر القرن الثامن عشر بصفته قنصلًا عامًا، ثم بصفته إمبراطورًا في العقد الأول من القرن التاسع عشر، حيث كان لأعماله وتنظيماته تأثيرًا كبيرًا على السياسة الأوروبية.
خاضت الإمبراطورية الفرنسية نزاعات عدّة خلال العقد الأول من القرن التاسع عشر، عُرفت باسم الحروب النابليونية، ودخلت فيها جميع القوى العظمى في أوروبا. أحرزت فرنسا انتصارات باهرة في ذلك العهد، على جميع الدول التي قاتلتها، وجعلت من نفسها مركزًا رئيسيًّا في أوروبا القارية، ومدّت أصابعها في شؤون جميع الدول الأوروبية تقريبًا، حيث قام بونابرت بتوسيع نطاق التدخل الفرنسي في المسائل السياسية الأوروبية عن طريق خلق تحالفات مع بعض الدول، وتنصيب بعض أقاربه وأصدقائه على عروش الدول الأخرى.
شكّل الغزو الفرنسي لروسيا سنة 1812م نقطة تحول في حظوظ بونابرت، حيث أصيب الجيش الفرنسي خلال الحملة بأضرار وخسائر بشرية ومادية جسيمة، لم تُمكن نابليون من النهوض به مرة أخرى بعد ذلك. ثم جاءت هزيمته على يد البريطانيين في معركة واترلو خلال شهر يونيو من عام 1815 كنهاية لأسطورته ووفاته فيما بعد في منفاه بجزيرة سانت هيلانة.
يرجع لنابليون بونابرت الفضل الكبير في تطوير الإستراتيجيات العسكرية الحديثة، سواء عن طريق إبداعه لبعضها أو تطوير أخرى من تلك التي كانت موجودة سابقًا وصهرها مع القديمة في بوتقة واحدة. ومن الإصلاحات التي قام بها نابليون، جعله من الفيالق أكبر الوحدات العسكرية بدلًا من الكتائب، ودمج جميع وحدات المدفعية في بطاريات احتياطية، الأمر الذي جعل من نظام الموظفين العسكريين نظامًا أكثر سلاسة، فعاد سلاح الفرسان ليُشكل جزءًا مهمًا من الجيش الفرنسي، و تعتبر هذه الأساليب والإصلاحات التي قام بها نابليون أساليب بارزة وأساسية من الشؤون الحربية في ما بات يعرف حاليًا بالعهد النابليوني.
ويبقى الأثر الأكبر لنابليون هو نمط قيادة الجنود، حيث يراه البعض عبقريًّا حقيقيًّا في مجال الفنون الحربية، لكنه وعلى الرغم من نبوغه العسكري وحنكته ودهائه، إلا أنه تعرض لعدد من النكسات خلال مسيرته العسكرية، أشهرها في معركة الأمم سنة 1813 وحملته الفاشلة على روسيا سنة 1812، وهزيمته الأخيرة في واترلو. ويقول المؤرخون بأن نجاح نابليون الفائق كان هو بذاته أحد عيوبه، إذ إن هذا النجاح حمل في طياته بذور الهزيمة الكبيرة التي تعرض لها في وقت لاحق، إذ أنه كان يستمر في الغزو وفتح المدن والولايات إلى أن يُنهك وجيشه إنهاكًا تامًا يعجزه عن التقدم أكثر، فيرجع على أعقابه.