أمريكا اللاتينية تنعطف يمينًا نحو الولايات المتحدة خلال عام 2015
جلب هذا العام العديد من التحديات في مواجهة السياسة الخارجية للولايات المتحدة، ولا سيما في أوراسيا والشرق الأوسط، كمثل الصراعات في سوريا وأوكرانيا. ولكنها قد جلبت أيضًا العديد من المكاسب إليها. وقد طبعت الولايات المتحدة علاقاتها مع كوبا، كما خسر الحزب الحاكم المعادي للولايات المتحدة الانتخابات البرلمانية في فنزويلا. وأظهرت اقتصاديات أمريكا اللاتينية التي تتكامل مع الولايات المتحدة أداءً أفضل من نظيرتها التي ليست كذلك. وبينما تسعى واشنطن لتعزيز موقعها الجغرافي في المنطقة إلى أبعد من ذلك في عام 2016، فإنه من المرجح تحقيق قدر من النجاح على الرغم من بعض القيود التي سوف تمنع الولايات المتحدة من تشكيل أمريكا اللاتينية بشكل كامل بما يتوافق مع مصالحها.
تحليل
وقعت عدة تطورات هامة في أمريكا اللاتينية في عام 2015، والتي كان لها تأثير مهم، سواء كان مباشرًا أو غير مباشر على الولايات المتحدة. كان أهمها التطبيع الرسمي للعلاقات بين الولايات المتحدة وكوبا في الأول من يوليو/ تموز. قام البلدان بإعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما وأعلنا عن خطط لإعادة فتح السفارات في نهاية المطاف في كل من هافانا وواشنطن. كان هذا الانقلاب الدبلوماسي تتويجًا لارتفاع الحرارة التدريجي في العلاقات منذ أواخر عام 2013، عندما صافح الرئيس الأمريكي «باراك أوباما» نظيره الكوبي «راؤول كاسترو» على هامش جنازة «نيلسون مانديلا». ثم بدأت محادثات ثنائية في عام 2014 حول مجموعة متنوعة من القضايا، بما في ذلك إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وإغلاق معتقل «غوانتانامو» والحصار الأمريكي على كوبا، ثم تم الشروع في تخفيف قيود السفر والسياحة.
كان واحدًا من أهم الدوافع التي تقع خلف التطبيع بين الولايات المتحدة، وكوبا هو التطورات السياسية والاقتصادية التي تشدها فنزويلا القريبة. وكان الرئيس الفنزويلي السابق «هوجو شافيز» واحدًا من أكبر الداعمين السياسيين والماليين لكوبا، وكان من أشد المنتقدين للسياسات الأمريكية في المنطقة. تحت حكمه، بدأت فنزويلا ترسل النفط إلى كوبا في مقابل توظيف عشرات الآلاف من المتخصصين التقنيين الكوبيين، وذلك في مجالات الأمن والمخابرات والاستشارات العسكرية، وحتى الأطباء والمعلمين. ولكن وفاة «تشافيز» لاحقًا في عام 2013، والانخفاض اللاحق في أسعار النفط العالمية قد سببا ضغطًا هائلًا على فنزويلا. خليفة «شافيز»، الرئيس «نيكولا مادورو»، كان يكافح من أجل ضمان الاستقرار الداخلي، والحفاظ على العلاقات الخارجية للبلاد منذ ذلك الحين.
ليس من قبيل المصادفة أن كوبا، التي اعتمدت منذ فترة طويلة على فنزويلا، قد بدأت السعي بنشاط أكبر في العلاقة مع الولايات المتحدة، بعد أن ساءت الحالة الاقتصادية لداعمها الرئيسي. وفي الوقت نفسه، فقد عمل التراجع الذي أصاب فنزويلا في صالح الولايات المتحدة بشكل كبير. كاراكاس، وهي موطن لواحدة من الدول القليلة المتبقية المناهضة للولايات المتحدة، قد انخفضت مكانتها بشكل كبير خلال السنوات القليلة الماضية وهو ما ظهر بوضوح من خلال الخسارة المذهلة لحزب الاتحاد الاشتراكي الحاكم أمام المعارضة خلال الانتخابات التشريعية التي أجريت في البلاد في 6 ديسمبر/ كانون الأول. وعلى الرغم من أن «مادورو» وحزبه ما يزالون يسيطرون على السلطة التنفيذية في الوقت الراهن، فإنه يمكن للرئيس المحاصر أن يواجه استفتاء على حكمه منتصف عام 2016. على أقل تقدير، فإنه قدرته على حكم البلاد سوف تكون مقيدة بشكل أكبر بكثير مقارنة بسلفه المناهض للولايات المتحدة.
المكاسب التي حققتها الولايات المتحدة خلال العام الماضي ليست مقتصرة فقط على كوبا وفنزويلا. على سبيل المثال، فإن الانتخابات الرئاسية الأرجنتينية التي أجريت في أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني، والتي جاءت بالرئيس المؤيد لقطاع الأعمال «موريسيو ماكري» بدلًا من اليسارية «كريستينا فرنانديز دي كيرشنر». وعلى الرغم من أن تلك ليست خطوة حصرية تجاه الولايات المتحدة، فإن فوز «ماكري» في الأرجنتين ربما يؤدي إلى مسار أكثر تعاونًا مع الدائنين الأجانب من خلال المفاوضات على السندات المتعثرة، وقد بدأ الزعيم الجديد بالفعل في انتهاج سياسات للتجارة والاستثمار أكثر انفتاحًا.
وفي الوقت نفسه فإن كولومبيا قد حققت تقدمًا كبيرًا في مفاوضاتها مع القوات المسلحة اليسارية الثورية في كولومبيا. وقد دعمت الولايات المتحدة هذه المفاوضات لفترة طويلة على الرغم من أنه قد كان لها بعض التحفظات بشأن قضايا محددة مثل منح العفو لأفراد القوات المسلحة الثورية الكولومبية المحتجزين في السجون الأمريكية. تشير كل الدلائل إلى احتمالية التوصل إلى اتفاق رسمي بين بوغوتا والقوات المسلحة الثورية في عام 2016، والذي من شأنه أن يزيد الاستقرار في البلاد.
على نطاق أوسع، فإن الأداء الاقتصادي لبلدان أمريكا اللاتينية خلال العام الماضي يميل عمومًا إلى التكامل بشكل وثيق مع الولايات المتحدة بما في ذلك المكسيك ودول أمريكا الوسطى وأعضاء تحالف المحيط الهادئ (كولومبيا وبيرو وشيلي). شهدت البلدان ذات التوجهات الأقرب إلى اليسارية نموًا سلبيًّا أو لا يستحق الذكر. قلبت هذه الاتجاهات التوازن السياسي في العديد من هذه البلدان وجعلت بعض دول أمريكا اللاتينية أكثر استعدادًا للتعاون الاقتصادي مع الولايات المتحدة.
مكاسب أكبر في الانتظار
وهكذا، في أمريكا اللاتينية، أثبت العام 2015 أنه كان عامًا مجزيًا بالنسبة إلى الولايات المتحدة في العديد من النواحي، كما أن العديد من هذه النجاحات من المرجح أن تشهد تقدمًا أكبر خلال العام المقبل. ومع ذلك، فإن الأخبار ليست جميعها سارة بالنسبة إلى واشنطن: على الرغم من التطبيع الرسمي للعلاقات مع كوبا، من غير المرجح أن الولايات المتحدة سوف ترفع الحصار بشكل كامل عن البلاد خلال عام 2016، لأن مثل هذه الخطوة سوف تتطلب موافقة الكونغرس في عام الانتخابات. وفي الوقت نفسه، فإن فوز المعارضة الفنزويلية في كراكاس لا يعني أن سياسة البلاد سوف تصبح ودية فجأة تجاه الولايات المتحدة، على الرغم من احتمال تعميق التعاون الاقتصادي بين البلدين إذا استمر المناخ الاقتصادي في فنزويلا في التدهور. في أماكن أخرى في أمريكا اللاتينية، فإن القوى الكبرى مثل البرازيل والأرجنتين تسعى لتوثيق العلاقات التجارية مع الولايات المتحدة من أجل تحريك اقتصاداتها الراكدة. مرة أخرى، على الرغم من ذلك، فإن القيود السياسية والاختلافات الثقافية سوف تظل حائلًا أمام تبني كامل لنظام اقتصادي مفتوح على غرار الولايات المتحدة.
ومع ذلك، على الرغم من هذه العقبات المحتملة، فإن الولايات المتحدة من المرجح أن تعزز موقفها المفيد المميز بالفعل في أمريكا اللاتينية في عام 2016، حتى لو كانت تواجه صعوبات في أي مكان آخر في العالم.