أصدقاء السيسي اللدودون
القاعدة المصرية تقول إن كل إنجاز يذهب إلى رصيد الرئيس وكل إخفاق هو من يدفع فاتورته، فلا اعتبار هنا لنوعية نظام الحكم ولا اعتبار لكون الدستور ينص على نظام برلماني رئاسي وألغى النظام الرئاسي الخالص، فالثقافة المصرية متأكسدة مع الحالة الفرعونية! وهذه القاعدة تشكل مفتاحًا هامًا لوضع الحالة المصرية الآن في سياقها الصحيح.
فقد استطاعت الدولة المصرية محاصرة ارتفاع الأسعار، فانتشرت عربات بيع اللحوم بأسعار تقل عن سعر السوق، فبيع كيلو اللحم البرازيلي بـ ٤٠ جنيهًا أي يقل عن اللحم السودانى بـ ١٠ جنيهات ويقل عن اللحوم البلدية بـ ٢٥ جنيهًا، كما بيع كيلو الدجاج البرازيلي بـ ١٩ جنيهًا أي يقل عن سعر السوق بـ ٦ جنيهات وقد ساعد هذا التحرك مع نظام التموين وفرق نقاط الخبز على رفع عبء كبير عن كاهل كثير من الأسر المصرية، وحسنًا فعلت الدولة عندما صمتت عن حديث ارتفاع أسعار المحروقات والكهرباء حتى تريح المواطن من عناء قلق الغد وتستريح من لعنات الناس الغاضبة، هذه الإنجازات ذهبت مباشرة إلى رصيد الرئيس وأقنعت شريحة كبيرة بكفاءة الإدارة المصرية.
ولكن هناك شريحة أخرى نظرت إلى المرحلة الماضية بشكل مختلف، فقد تسبب سلوك بعض أفراد الشرطة في سحب الكثير من رصيد الرئيس، وفاة مساجين وتعذيبهم أحرج الإدارة المصرية، خرج الرئيس بكلمة إلى أفراد الشرطة تطلب منهم عدم إيقاف المواطنين في الشوارع بلا داع، واعتبار المواطن أخًا لرجل الشرطة، وزير الداخلية قال إنه لن يحمي المخطئين، قدم الضابط المتسبب في وفاة قتيل الأقصر إلى المحاكمة وكذلك المتسبب في قتيل الهرم، الشريحة الثانية من الناس اعتبرت أن كل هذا ليس كافيًا، فمصر احتلت المركز الثاني بعد الصين في حبس الصحفيين، وفي نفس الوقت ألهبت قضية هشام جعفر مشاعرهم (رئيس موقع إسلام أون لاين سابقًا في ذروة إنتاجه وباحث في مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية وتلقى أوراقه البحثية رواجًا ومتابعة من شخصيات متميزة مثل د.عمرو الشوبكي) وقد تم القبض عليه دون إبداء أسباب.
الشريحة الثانية ترى أيضًا أن الديكتاتورية وقمع الحريات هما أساس فشل كل تجارب التنمية الوطنية السابقة من محمد علي مرورًا بعبد الناصر وحتى الآن وأن كل التجارب السابقة انتهت بكوارث وبالطبع لا يريد أحد (سوى المرضى) أن يفشل السيسي.
وتضيف الشريحة الثانية؛ أن ما حدث من تحسن فهو وليد الدولة الرعوية (لا الدولة المتقدمة) أي الدولة التي توزع جزءًا من مواردها على شرائح معينة من أفراد شعبها لتأخذهم تحت إبطها وهي تصرفات قامت بها إدارة السيسي لتتمكن من خلق وإجراء تعديلات على الدولة حتى يتقبل الناس طريقة الحكم والمشاريع الجديدة.
وترى هذه الشريحة أن مارجرت تاتشر رئيسة وزراء بريطانيا في الثمانينيات استخدمت ما أطلق عليه ملكية المجتمع لتمرر سياستها، فقد أعطت حوافز للمستأجرين لشراء منازلهم، وكانت تقصد تهيئة الجو العام للتوجه نحو اقتصاد السوق الحر بهذه الرشوة الاجتماعية وقد استطاعت تاتشر التغلب على المؤسسات الديمقراطية المعارضة وكسر نفوذ نقابات العمال، ولكن انخفض التأييد لها ولحزبها إلى ١٨٪ ولكن جاءت حرب الفوكلاند ضد الأرجنتين بمثابة طوق نجاة مما مكنها من الفوز وحزبها في الانتخابات تحت شعار براق هو: محاربة العدو في الخارج وفي الداخل، وفي الداخل كانت إضرابات العمال تتم مواجهتها بعنف من الشرطة والتجسس على النقابات والتسلل داخلها، كان أعداء الداخل والخارج من مكنا تاتشر في الفترة من ٨٤ إلى ٨٨ من خصخصة مرافق الدولة البريطانية أما النهاية فقد سقطت هي وحزبها في الانتخابات.
وعندما تم اكتشاف حقل “ظهر” للغاز الطبيعي توحد رأي الشريحتين: الأولى التي أثنت على ضبط الدولة للأسعار والثانية التي ترى أنه لا بديل عن الديمقراطية الحقيقية، فالأولى ترى أن مصر مليئة بالخيرات ولكن أقل القليل هو الذي يذهب للناس ورجل الشارع البسيط يتساءل دومًا ومن زمن عن عائد قناة السويس، أما الرأي الذي تمثله الشريحة الثانية فقد رأى أن عوائد الحقل الجديد (في حال استمرار الأوضاع على ما هي عليه) سيمنح الدولة الرعوية فرصة أكبر لتبسط أجنحتها أكثر فوق شرائح اجتماعية أخرى بتقديم رشوة اجتماعية ولكن يبقى الوضع الاجتماعي والعدالة الاجتماعية والصحة والتعليم ملفات لا يمكن علاجها بدون ديمقراطيه حقيقية.
ثم قارن البعض بين برلمان ٢٠١٥ وبرلمان٢٠١٠ على اعتبار أن الأخير كان القشة التي قصمت ظهر نظام مبارك، والحقيقة أن برلمان مبارك الأخير وصل إلى الأغلبية بعمليات تزوير واضحة بريء منها برلمان ٢٠١٥ والذي لم يشهد أي تزوير، ولكن يحاول الآن ائتلاف “دعم الدولة” تأميم المعارضة تحت قبة البرلمان، فقد اشترط الائتلاف بقيادة النائب سامح سيف اليزل التنازل عن الصفة الحزبية للمرشح للانضمام لدعم الدولة وهو تزوير من نوع آخر لأن الناس انتخبت المرشح بصفة حزبية معينة فكيف يغيرها حينما يعبر عتبة البرلمان.
وليس الغرض من ائتلاف دعم الدولة حماية الرئيس من براثن المادة ١٦١والتي تعطي للمجلس حق سحب الثقة من الرئيس بموافقة الأغلبية، فهذه رؤية غير واقعية بالمرة، فبرلمان ٢٠١٥ حظي بأعلى نسبة لتمثيل رجال الأعمال (٢٥٪ مضاف إليهم مهن الأعمال الحرة مقابل حوالي ١٩٪ في مجلس ٢٠١٠) وجميعهم ترعى الدولة مصالحهم الرأسمالية وأكبر تمثيل للأحزاب الثلاثة الأوائل مدعومين برجال أعمال متحالفين مع الإداره الحالية للدولة، فلن تكون هناك أغلبية تعرقل السيسي أصلًا فمن أين تأتي أغلبيه سحب الثقة منه؟
أخيرًا، هناك بعض الجهات في الدولة تحاول أن تثبت للرئيس ولاءها ووقوفها إلى جواره ولكنها ما برحت تزاول نفس أنشطتها بالطريقة القديمة، ثم هي تخصم من رصيد الرئيس وتزيد عدد خصومه، هؤلاء هم أصدقاء السيسي اللدودون، فماذا سيفعل الرئيس معهم؟ وهل سيكسب خصومه السياسيين (غير الإخوان طبعًا لأنهم خرجوا من المعادلة السياسية) على حساب أصدقائه اللدودين؟ هذا ما ستكشف عنه الأيام القادمة.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست