اخبار العراق الان

حماس والإجابة على سؤال الدولة

حماس والإجابة على سؤال الدولة
حماس والإجابة على سؤال الدولة

2015-12-28 00:00:00 - المصدر: ساسة بوست


لعل من أكبر الإشكاليات التي تواجه الإسلاميين بجميع تياراتهم فك الاشتباك الحاصل بين الدولة الحديثة التي تقف على الحدود وبين الدولة الإسلامية التي لا حد لها إلا الدين، وهذا الاشتباك الوهمي عائد لأسباب التجربة التاريخية للمسلمين في مجال الحكم وتكلس الفقه السياسي والدستوري عند أبجديات تلك الحقبة، فالمبادئ السياسية الإسلامية مازلت أجنة لم تتطور إذ لم تجد الحضانة المناسبة لنموها.

وينعكس هذا الصراع بشكل أو آخر على تقييم المراقبين لنموذج حركة المقاومة الإسلامية حماس إذ هو نموذج فريد يجب دراسته بعمق من حيث الجمع بين المرجعية الدينية العابرة للحدود بانتماء حماس لجماعة الإخوان المسلمين وبين البعد القومي وعقد التحالفات السياسية في إطار القضية الوطنية دون تأثير المرجعية الدينية السنية على هذه التحالفات التي تكمن في “جلب النصرة لا إعطاء النصرة” بمعنى أن معيار القرب والبعد من حماس هو القرب والبعد من القضية الفلسطينية بغض النظر عن الدين والمذهب، وأبرز مثال هو التحالف الإيراني – الحمساوي الذي عانى من ضعف ولكنه لم يزل قائمًا بشكل أو آخر وهذا ما يؤكده القيادي في حماس الدكتور أحمد يوسف، وهذا التحالف يثير النقمة بين أوساط الإسلاميين وحتى بين بعض أبناء حركة حماس، ومع كل مناسبة أو لقاء يجتمع فيه قيادات الحركة الإسلامية مع قيادات الجمهورية الإسلامية الإيرانية أو أحد أذرعها المتغلغلة في المنطقة مثل حزب الله تثير ضجة يقتات منها الخصوم للنيل من الحركة وتصويرها حليفة لإيران في حرب طائفية لم تبقِ ولم تذر.

ومن هنا يمكن القول أن حماس استطاعت أن تجاوب على سؤال الدولة عمليًّا وإن كان ينقصها التنظير الفكري للموضوع من دراسات وأبحاث تعالج فقه الدولة الحديثة ومعيار التحالف والنصرة وحدود التعاون، وهذا الجهد الفكري سيعزز الواقع العملي للحركة ويبعدها عن تناقضات النظرية والتطبيق لتكون أكثر اتساقا مع نفسها وطموحاتها وأبجدياتها، ولا شك أن هذا الأمر يحتاج إلى ثورة داخل التراكيب التنظيمية في حماس من حيث تغير بعض بنود ميثاقها وكذلك أن تلغي قسمًا كبيرًا من المقررات التربوية التقليدية التي وضعت لعصر الدفاع عن الهوية في منتصف القرن الماضي.

وقد يتصور البعض أن مثل هذه الأطروحات تعد تنازلًا عن الإسلام والتخلي عن المشروع الإسلامي مقابل الفكر الوطني والقومي ولكن قد يغفل الكثيرون عن النصوص التي تعزز الفكر الوطني والقومي وتحث على الالتزام بجغرافية الدولة، ففي بداية تشكيل الدولة الإسلامية وهجرة النبي الى المدينة بقي بعض الذين آمنوا في مكة وهنا كان السؤال الملح حول علاقة هؤلاء مع الدولة المدنية وما الحقوق التي لهم وعليهم؟ فكان جواب الله سبحانه وتعالى في قوله: “والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم شيء حتى يهاجروا وإن استنصروكم فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق والله بما تعملون بصير”، فربط الله الولاية بالهجرة أي بأن يكون المسلم تابعًا للدولة الإسلامية تبعية جغرافية وسياسية والشاهد الأقوى في الآية أن من حق المسلمين أن يتم نصرتهم ولكن بدون تجاوز التحالفات السياسية بين الجماعة المسلمة في الدولة الإسلامية وبين الكفار وإن كانوا يضهدون المسلمين في بلادنهم، ومن الشواهد النبوية ما يؤيد هذا الاستنباط صلح الحديبية إذ تعاهد النبي مع قريش على إعادة من هاجر إلى المدينة إليها وهكذا فعل مع أبو بصير وغيره من الصحابة.

وفي النهاية يجب على حماس أن تختار بين أمرين، أولهما أن تختار الإجابة النظرية على سؤال الدولة وهذا الأمر ما سيجعلها أكثر انسجاما مع ذاتها ويجعل لها مخزونًا معرفيًّا قادرًا على التأقلم مع الزمن ومتغيراته مع حتمية خسارتها جزءًا من شعبيتها أو أن تبقى تلعب الأدوار المختلفة بدون وضوح وتستمر في الخطابات التعبوية التي سرعان ما تنهار إذ لم تُبنَ على أسس فكرية واضحة المعالم وخسارتها هنا أشد وأمر.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست