تحرير الرمادي مسمار جديد في نعش “داعش” … سامر إلياس
يعّد تحرير الرمادي أهم إنجاز للجيش العراقي منذ نحو عام ونصف العام. ويدق الانتصار مسمارا في نعش “داعش”، ويؤسس لدحره في غرب العراق والموصل.
واستطاع الجيش العراقي رفع العلم الوطني في مدينة الرمادي عاصمة محافظة الأنبار غرب البلاد. وأنهى بذلك، بمساعدة رجال العشائر، احتلال تنظيم “داعش” الذي بدأ في مايو/ أيار من العام الحالي والذي شكل جائزة كبرى للتنظيم الإرهابي في العام الحالي.
وتكمن أهمية الانتصار في الرمادي في عدد من النقاط أهمها:
– أن الإنجاز هو النصر الأول الكبير للجيش العراقي منذ اجتياح تنظيم “داعش” لمدينة الموصل وسيطرته على مساحات واسعة في العراق في يونيو/ حزيران 2014.
– ويفتح الانتصار في الرمادي عاصمة الأنبار على انحسار التنظيم الإرهابي في المناطق السنية غرب البلاد، ما يسهم لاحقا في قطع خطوط إمداد “داعش” وتواصله الجغرافي مع مواقع التنظيم في سوريا.
– وتنهي السيطرة على الرمادي عمليا التهديدات بأي إمكانية لتقدم التنظيم نحو العاصمة بغداد ومدن الجنوب.
– ومن المهم الإشارة إلى أن الانتصار على “داعش” في الرمادي تحقق بجهود الجيش العراقي، وعدم الاستعانة بقوات الحشد الشعبي(شيعية في الغالب) التي كان لها الدور الرئيس في معارك سابقة ومنها استعادة تكريت مسقط رأس الرئيس المخلوع صدام حسين، ما تسبب حينها في توترات طائفية.
– ومن المؤكد أن ارتفاع الروح المعنوية للجيش العراقي يفتح الطريق أمام الانطلاق إلى معركة الموصل المفصلية لمحو “دولة الخلافة” التي أعلنها أبو بكر البغدادي إثر انهيار القوات الحكومية العام الماضي.
وأثار إنجاز الجيش في الرمادي ترحيبا كبيرا في بغداد والمحافظات الجنوبية ذات الأغلبية الشيعية، لكن اكتمال الانتصار وتحوله إلى مقدمة حقيقية لدحر “داعش” وإنهاء “دولة الخلافة” يحتاج إلى عمل إضافي كبير من الحكومة والأطراف الإقليمية والدولية لعل أهمها:
– ضرورة مراعاة أوضاع المدنيين الذين قرروا البقاء في المدينة، وكان معظمهم بمثابة رهائن عند تنظيم “داعش” الإرهابي. فالتقارير تتحدث عن ألوف المدنيين المحاصرين في بيوتهم منذ أكثر من أسبوع جراء المعارك بعد عدم تمكنهم من الفرار من المدينة، إضافة إلى اجبار مئات العائلات على الانسحاب من المدينة برفقة مقاتلي “داعش” وعائلاتهم.
-ومن المهم البناء على تصريحات رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي حول ضرورة تسليم مسؤولية الرمادي للشرطة المحلية والعشائر السنية بمجرد تأمينها، ما يفتح المجال أمام بناء حركة شعبية محلية لمحاربة “داعش”.
-ومن الضروري أن توكل مهمة تطهير جيوب “داعش” إلى مقاتلي العشائر المحلية ممن دربتهم الحكومة في الأشهر الأخيرة، منعا لأي تجاوزات أو احتكاكات قد تؤدي إلى توتير الأوضاع من جديد.
-ويجب على الحكومة الإسراع في استعادة الخدمات الرئيسة في المدينة، وإعادة إعمار ما هدمته الغارات الجوية والقصف المدفعي الكثيف لتشجيع النازحين على العودة إليها، إضافة إلى تأمين المساعدات اللازمة في الفترة الأولى لتثبيت السكان في مدينتهم.
– وأخيرا فإن استقرار الأوضاع في مرحلة لاحقة في الأنبار يعتمد أساسا على تعامل السلطات مع مطالب أهل المنطقة المحقة والتي رفعوها في اعتصاماتهم السلمية في 2012 قبل أن يعمد رئيس الوزراء السابق نوري المالكي على فضها بالقوة.
الحكومة العراقية أعلنت أن الهدف المقبل هو تحرير مدينة الموصل التي تعد ثانية كبريات مدن العراق، واتخذتها “داعش” عاصمة لـ “دولة الخلافة”. ومن المؤكد أن الهدف واقعي وممكن في ضوء انتصار الرمادي وانتصارات أخرى في العراق وسوريا، إضافة إلى التراجع الكبير في شعبية التنظيم الإرهابي الذي أعمل السيف، وأعاد العمل بقوانين القرون الوسطى في مناطق نفوذه.
ويحرم تحرير الموصل والمناطق المحيطة بها “داعش” من موارد مالية كبيرة من الضرائب والجزية وتجارة النفط. ومؤكد أن نفوذ “داعش” يتقلص، لكن المرحلة المقبلة تحتاج إلى تنسيق أكبر مع قوات “البيشمركة” الكردية، وأبناء العشائر في المنطقة، وعدم إثارة أي مشاعر طائفية أو إثنية يمكن أن تعطل الاجماع على محاربة إرهاب “داعش”، وهو إجماع يشكل، من دون شك، حجر الأساس لمحو “دولة البغدادي” المسخ من الوجود، والتأسيس لعراق لكل أبنائه.
سامر إلياس
(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)