لطالما كان الحب قاهرًا للخوف
الخوف هو عاطفتنا الأقوى والأساسية، فعندما يتم إثارته لدى البشر فإنهم يقومون بفعل عديد من الأشياء التي لن يفعلوها أبدًا في الظروف الطبيعية، ويفكرون في عديد من الأشياء التي لا تخطر على ذهنهم مطلقًا في الظروف المعتادة، فحينها يصبح إطلاق الأحكام أمرًا صعبًا، وقد نفقد القدرة على التفكير بحرية. هذا هو السبب الذي يدفع أولئك الذين يسعون لإشعال الفتن والنزاعات إلى التفكير في استخدام هذا الشعور بالخوف وبشكل عام فإن هذا الأسلوب دائمًا ما يحقق النجاح المرجو منه.
عندما تُذكر كلمة الإرهاب، فإن الأشياء الأولى التي تخطر على بال معظم البشر هي تلك الأفعال التي تتعلق بالعنف والقتل. ولكن كلمة الإرهاب بالإنكليزية، هي في الأساس مستمدة من جذور لاتينية عبر الكلمة الفرنسية “terreur”، فهي في الواقع تعني “الارتعاد من الخوف” أو “التسبب في ارتعاد شخص ما”. لذلك، فإن الهدف الدائم من وراء الإرهاب هو ترويع المجتمعات أو السياسيين. بمعنى آخر، صناعة الخوف من أجل بعض الأهداف السياسية.
العنف هو أحد السبل لخلق الخوف وصناعته، ويمكن أيضًا أن يُصنع – الخوف – في بعض الأحيان باستخدام بعض الوسائل الأخرى مثل الضغط، والهيمنة، والتهديد، والابتزاز، والترهيب. في مثل هذا المناخ، يصبح الخوف هو السائد ويحل محل بعض المفاهيم القانونية مثل سيادة القانون والعدالة، ويصبح البشر أسرى لهذا الخوف ويتمكن من الهيمنة والسيطرة على حياتهم اليومية.
تبدأ تلك المجتمعات التي يهيمن عليها الخوف في فقدان بعض المفاهيم مثل مفهوم الأمة ووحدتها، ويستحدث منطق جديد وهو “نحن وهُم” ويصبح هو السائد والذي ينتهي دائمًا بحدوث الانقسامات بينهم، ويفقدون تدريجيًا قدرتهم على الإنتاج، والإبداع، والشعور بالمتعة والفرح. بمرور الوقت، تزداد حدة الغضب لدى الأشخاص الجهلاء والغاضبين، ويزداد تعصب المتعصبين، وتنتقل الغلبة والسيادة لهؤلاء المعارضين للحريات ويتفوقون على هؤلاء الأشخاص المدافعين عن حقوق الإنسان.
وبالنظر عن قرب إلى هذا الأمر، فإن أكثر المستفيدين من هذه الأجواء التي يسودها الخوف هم هؤلاء الأشخاص الذين يريدون حدوث الانقسام في المجتمع، وهم أنفسهم هؤلاء الأشخاص الذين لا يضمرون أي شعور بالتسامح “للآخرين”، وهم أنفسهم الذين يُثار غضبهم لوجود أعراق، وديانات، وآراء أخرى مغايرة لهم.
اكتسبت المجتمعات الشرق أوسطية، والتي عاشت جنبًا إلى جنب لسنوات عديدة مع مأساة الإرهاب، اكتسبت خبرات كبيرة بخصوص النتائج التي يمكن أن يؤدي إليها هذا الشعور بالخوف وتلك الصورة المفزعة التي يمكن أن ينتجها هذا الخوف في المجتمع. لطالما كان حدوث الانقسامات في تلك الدول التي ينتشر فيها الإرهاب، وحتى تلك الطريقة التي يتم بها تقسيم المسلمين بين بعضهم بعضًا، سببًا للإرهاب ونتيجة له على حد سواء. يصبح من السهل نمو الإرهاب والتطرف طالما لم يتوحد المسلمون فيما بينهم، وقد اشتدت حدة الانقسام بين المسلمين على الرغم من تفاقم مشكلة الإرهاب. بالإضافة إلى ذلك، فقد اشتد الغضب والعنف الناجم عن تصاعد وتيرة الإرهاب. دعونا نتذكر أن جزءًا كبيرًا من هذا الغضب مُوجه في الأساس ضد الغرب.
نحتاج أيضًا إلى تحليل ظاهرة الخوف من الإرهاب في أوروبا من هذا المنظور. جرت العادة على تجاهل ذلك الإرهاب الناجم عن التطرف أو الشيوعية – والذي استمر لفترات طويلة في منطقة الشرق الأوسط – من قبل السياسيين الأوروبيين، ودائمًا ما يكون الرد على ذلك التطرف هو القصف بالقنابل فقط، في حين أنه لم يؤخذ في الحسبان ذلك الإرهاب الناجم عن الشيوعية على الإطلاق. تكتسب أوروبا الآن الخبرة جراء هذا المناخ المشحون بالخوف.
ربما هي المرة الأولى على الإطلاق التي سيتفهم فيها الأوروبيون ذلك الوباء الذي تعاني منه المجتمعات الشرق أوسطية حيث ينتاب البشر الشعور بالشك والارتياب عندما يرون أية حقيبة في الطرقات، والاعتقاد بأن أي شخص يتعرق في حافلة ما ربما يكون انتحاريًا، والعزوف عن دخول الأماكن العامة بشكل مطلق. ومع ذلك، فإن العناية الفائقة هي واحدة من الأمور المطلوبة هنا وذلك لأن نشر الخوف هو الشيء الذي يسعى إلى تحقيقه هؤلاء ممن يناصرون العنف.
الحضارة الأوروبية هي الحضارة الأكثر قيمة، مع امتلاكها للحرية، والديمقراطية، وحقوق الإنسان، والمباهج والمسرات مثل الفنون، والموسيقى، والعلوم، وفي الوقت الذي نتمنى فيه ألا نرى البشر في الشرق الأوسط يعانون من ويلات الخوف، فإننا أيضًا لا نريد أن نرى الشعوب الأوروبية تعاني من الأمر نفسه.
لذلك، فإنه يجب أن يُؤخذ هذا التحذير في الحسبان: كلما تزايد انتشار الخوف في أرجاء المجتمع فإنه يُتيح الفرصة لأولئك البشر الغاضبين والعنصريين، مما يسهل الأمور على هؤلاء ممن يعادون الإسلام، ويجعل الطريق مُمهدًا أمام ازدياد أعداد البشر ممن يرغبون في حدوث العنف الذي ينتهي بمأساة، وهذا سيعني ضمنيًا نهاية وجود الحريات في المجتمع. ربما ستفقد الحضارة الأوروبية، والتي كانت لسنوات عديدة حصنًا لحقوق الإنسان، هذا المبدأ بسبب هؤلاء الأشخاص شديدي الحنق والغضب.
فالمجتمع الأوروبي الخائف لن يستطيع تمهيد الطريق للمزيد من التقدم، وتقديم الاكتشافات، وصنع التطور العلمي، والإبداعات الفنية الأصيلة، وإنتاج الأعمال المعمارية الجميلة أو الإتيان بالأفكار الجديدة في مجالات مثل المجال التكنولوجي أو الصناعي، وستفقد – المجتمعات الأوروبية – قدرتها على التصرف بعقلانية. وستصبح بكل بساطة مجتمعات يسودها الخوف، وتجنب الآخرين، والشك فيهم، ثم بعد ذلك سيحدث المزيد من الخوف.
الحقيقة الواجب تذكرها دائمًا من أجل تجنب فتح الأبواب أمام مثل هذه الكارثة هي أنه: يمكن للخوف أن يكون قويًا للغاية، ولكنه دائمًا ما يُقهر تحت أقدام المحبة. يُمكن الوصول لهذه البنية على الفور إذا ما اتحد البشر تحت راية المحبة وتقوية روابط الصداقة بينهم، وإذا ما تخلى السياسيون عن معتقداتهم القائلة بأن العنف يمكن أن يُقهر بالعنف. إنه لمن غير المنطقي الاعتقاد بأن العنف يمكن أن يضع حدًا لهذه الجماعات المنخرطة في أحداث العنف.
لقد برهنت العشرون عامًا الماضية على أن العنف لا يُوصل إلى أية نتائج، بل على العكس فإنه يكون بمثابة المُحفز لحدوث المزيد من العنف. بدأت المجتمعات العقلانية بإدراك هذا الأمر “لا لقصف سوريا”، وقد حدثت مؤخرًا في بريطانيا العظمى عديد من الاحتجاجات والتي احتوت على آلاف المتظاهرين لمعارضة خطة الحكومة البريطانية لقصف بعض الأهداف لتنظيم الدولة في سوريا. يمكن أن تساهم تلك الاحتجاجات المتزايدة في وضع حجر الأساس لبزوغ بشر وسياسة الحب.
يجب على السياسيين حول العالم التركيز على سياسة التعلم بهدف تغيير أساليبهم وذلك بدلاً من توجيه أسلحتهم إلى تلك المنظمات المنخرطة في الإرهاب. عليهم تبني تلك السياسة المعتدلة التي لم يحاولوا مطلقًا اتباعها والتي يمكن لها أن تحقق النتائج المرجوة وذلك إذا ما أرادوا حقًا وضع حد لذلك الإرهاب والعنف وإنقاذ مجتمعاتهم من الهوة المظلمة. يجب عليهم الآن – السياسيين – التحدث عن السلام وليس العنف، فتلك المفاهيم التي تتعلق بالسلام والمحبة هي التي يجب أن يتم النقاش حولها في الأوقات التي تشتعل فيها المعارك الطاحنة والاضطرابات. لذلك، فإننا سنظل في تلك المحاولات لمنع العنف من السيطرة على حياتنا طالما أننا نفتقر إلى هؤلاء البشر الذين يتحدثون عن السلام وإيجاد الحلول.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست