اقتصاد مصر في العشر سنوات القادمة
إذا كنت مصريًّا في الثلاثين من عمرك الآن أو قريبًا منها فأعتقد أنه من المهم أن تتوقع حالة اقتصاد بلادك وظروف المعيشة بها عندما تبلغ الأربعين من العمر.
تُرى كيف ستؤول الأحوال الاقتصادية والمعيشية في البلاد؟ فبعد عشرة سنوات من الآن سيصل عدد السكان إلى حدود مائة وخمسة ملايين نسمة بإذن الله.
لا يمكن وضع تصورات عن مصير الاقتصاد والشعب بعيدًا عن تحديد المسار السياسي الذي ستتبعه البلاد خلال هذه المدة فأنا أستطيع فقط أن أخبرك بتوقعاتي عن نتيجة طالب في الامتحان عندما أتعرف على معدل تحصيله الدراسي ودرجة اهتمامه وانضباطه والتزامه بتحقيق النجاح عند الامتحان، لذلك دعنا نحدد بعض السيناريوهات السياسية لنتوقع الحالة الاقتصادية.
سيناريو استمرار انقلاب الجيش في الحكم
قد يستمر الجيش خلال العشر سنوات القادمة في الحكم من خلف برلمانات مكسورة ووجوه عسكرية أو مدنية خاضعة للجيش في مؤسسة الرئاسة ومع نفس النظام القضائي والشرطي والإداري الفاسد والصدأ كاستمرار لمسيرة الحكم الخالدة لستين عاما مضت ولكن مع وعي شعبي واضح ومتنامي برفض هذا النموذج من الحكم، حينها لن تكون العشر سنوات القادمة محتملة كأعوام مبارك مثلا لأن الشعب دون بيانات أو شعارات سيتوقف عن التعاون مع تلك المنظومة إلا في أضيق الحدود مشكلا حالة من العصيان المدني الجزئي طويل الأمد..
وهو مؤلم جدًّا للحكومة ومدمر ومستنزف لها وقد تكون من مظاهره على سبيل المثال لا الحصر: خفض تحويلات العاملين بالخارج لأٌقل حد ممكن وتخزين المدخرات بعيدًا عن بنوك الدولة العامة والخاصة وعدم الثقة بالعملة الوطنية والاحتفاظ بالمدخرات في شكل عملات أجنبية وعدم اللجوء للتقاضي الرسمي أو الشرطة الرسمية وتجنب العمل في النشاط التجاري داخل مصر بصورة رسمية واللجوء للاقتصاد الأسود الموازي وللسوق السوداء وتجنب المصريين بالخارج لشراء عقارات أو استثمار داخل الوطن خوفا من المصادرة والإفشال والفساد الخانق لأي عمل تجاري ومن ثم ترويجهم لتلك الصورة لأي مستثمر أجنبي متوسط الحجم فالمستثمرين الكبار سوف يحجمون بل أحجموا فعلا عن السوق المصري وتوجه قطاعات كبيرة للهجرة أو السفر لأي مكان خارج البلاد وتحت أي شروط.
حينها أتوقع أن يصل سعر الدولار الأمريكي إلى 35 جنيهًا مصريًّا بدون مبالغة وفي مثل هذه الأوضاع تعجز الحكومات عن إيجاد إيرادات للدولة سواء من الضرائب أو غيرها فتنهار الخدمات العامة المتداعية أصلًا كالكهرباء والمياه ومرافق الطرق والتعليم الحكومي وقد تنحسر الخدمات الشرطية لتصبح فقط لبعض الأحياء الراقية بالعاصمة والأماكن الحيوية كالمطارات تاركة بقية الشعب يتقاتل ويتحاكم لقانون الغاب.
حينها أنصحك باتباع خطة صديقي السوري، أذكر صديقًا سوريًّا أخبرني أنه في 2011 كان يملك منزلًا صغيرًا في سوريا وبعض الممتلكات الأخرى البسيطة وبعد أسبوعين من الثورة صار واضحًا له أن الوضع سيتجه لأسوأ فقرر أن يهاجر مبكرًا، حينها باع ممتلكاته وقبض ثمنها وتوجه إلى تركيا بالطائرة وبدون أي مشكلات قام بحماية أسرته وعائلته من الموت وكذلك مدخراته البسيطة بينما من تأخر في الهرب من مناطق النزاعات حتى عام 2015 ضاعت كل ممتلكاته تحت القصف فمن يمكن أن يشتري بيتا في منطقة حرب ومعرضة للقصف يوميا وبدون أي خدمات وأيضا صار طريق الهروب عبر البحر أو الحدود أكثر خطورة بل هو الموت ذاته لذلك نحمد الله على أن مطار القاهرة ما زال يعمل حتى الآن.
سيناريو الثورة والديموقراطية المستقرة
هنا نتوقع أن ينفد صبر الشعب مبكرا ليقوم ويحرق الأخضر واليابس من تحت أقدام الجيش فيتراجع الجيش أمام الشعب أو خوفا من الانهيار مضحيًا برموزه وقادته المتصدرين للمشهد الحالي وتستطيع التيارات السياسية الوطنية أن تستعيد الديموقراطية وتنسف كل مؤسسات الدولة القديمة لتؤسس بذلك جمهورية جديدة تماما مقاطعة مع كل النظام القديم لتؤسس جهاز شرطة يحوز الثقة وينال الرضا الشعبي ونظام ضرائب وقوانين يلمس المصريون فيها العدالة ونظام قضائي سريع وناجز ومؤسسات تعليمية سليمة وحتى لو حدثت بعض الأزمات السياسية فهذا طبيعي في كل البلدان قد يؤخر سرعة التنمية لكن لن يوقفها تماما كما هو الحاصل الآن، قد تحتاج البلاد لثلاثة سنوات من التعافي حتى تصل لحالة الاقتصاد قبل 2011 لكنها ستنطلق ولو حتى بمعدلات بطيئة إلى الأمام.
في حالة تحقق هذا السيناريو، فالبلد تستحق مجهوداتك ومجهوداتنا جميعًا، أنا أرجح هذا السيناريو.
سيناريو الحرب الأهلية
إذا ثار معظم الشعب ضد الجيش لعدم تحمله آثار حكمه غير الرشيد لكن جماعات المصالح والأقليات الدينية ساندت الجيش ودفعته لمزيد من التشدد والبطش وقطعت عليه طريق العودة إن هو أراد فمهما كان هناك عقلاء على الجانبيين سوف تتطور الأمور لمواجهة مسلحة إن لم يحسمها سريعًا وفي خلال أسابيع أحد الطرفين، فأنت تعرف نتائجها في سوريا: تدخل دولي من كل حدب وصوب وحرب عالمية، تخيل معي أن 10% فقط من الشعب المصري نزحوا شرقا أو غربا أي عشرة ملايين لاجئ، لا مكان لهم في كل دول الجوار ولا طاقة لأحد بأن يحتمل هذا العبء، طبعًا لا تتكلم عن أي اقتصاد في هذه الحالة، وتظل خطة صديقي السوري هي الأفضل في هذا السيناريو أيضًا.
وأعتقد أن الجيش يعلم جيدًا أنه لا يمكن أن يستطيع حسم صراع مسلح كهذا ولا في عشرة سنوات بينما يستطيع الشعب المصري حسم هذا الصراع لصالحه في أسبوع فجيش تعداده 300 ألف جندي كلهم ينتظر فرصة الهروب من التجنيد لا يمكن أن يواجه 2 مليون ثائر مسلح ولو بأقل الأسلحة.
لذلك أتوقع أن هذا السناريو مستحيل، الثورة غير المسلحة هي أكثر السيناريوهات ترجيحًا وسوف يتراجع أمامها الجيش بسرعة ليس كمؤسسة وإنما كأفراد وضباط يريدون الأمان ولن يستطيع تحمل مزيد من دماء المصريين ومزيد من انهيار صورته وتزايد طالبي الثأر من قادته وضباطه وله في وزارة الداخلية عبرة.
في كل الأحوال أرجو ألا يترك التسعون مليون مصري مصيرهم مرهونًا بيد بضعة مئات من العسكريين محدودي الذكاء وفاقدي الشجاعة العسكرية، فقد أدمنوا مصالحهم الاقتصادية وصاروا بطباع التجار ورأس المال الجبان.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست