مترجم: هل يكون للإسلام السياسي أي مستقبل؟
بات الفضاء السياسي لسياسات الإسلام غير العنيف أضيق في العام الماضي. تقلصت مساحة الإسلام السياسي السلمي بفعل القمع من جانب والعنف المتطرف من جانب آخر.
السياسيون الإسلاميون الذين لا يتبنون العنف تم إسكاتهم على نحو متزايد أو تم القضاء عليهم في عام 2015. وكانت الأحزاب المعتدلة على الهامش في مصر والجزائر والأردن والمغرب. في سوريا وليبيا واليمن والسلطة الفلسطينية، قام أشقاؤهم المسلحون بتهميشهم وحتى بمهاجمتهم.
بالنسبة للكثيرين داخل وخارج منطقة الشرق الأوسط، فقد أفقد الوصول المتزايد لتنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش)، مصداقية حتى فكرة إصدار الإسلام السياسي السلمي في القرن الحادي والعشرين.
كان هناك اثنان من الاستثناءات: في تركيا، حصل حزب العدالة والتنمية (AKP) على أغلبية برلمانية متينة في الانتخابات التي جرت في نوفمبر الماضي، تحول كبير في الفرص، منذ أن تحولت الانتخابات في وقت سابق بطريقة حادة ضد حزب العدالة والتنمية. وعزز الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان سلطته، وربما حتى محاولة تغيير الدستور لتعزيز سلطاته التنفيذية.
وفي تونس، انضم حزب النهضة إلى الائتلاف الحاكم، بعد نزوله في المرتبة الثانية خلال الانتخابات التي جرت في أواخر عام 2014.
ولكن تنظيم الدولة والقاعدة سرقا الأضواء في نقاش الإسلام السياسي. قامت هذه المجموعات وفروعها بشن هجمات في كل بلد في الشرق الأوسط تقريبًا العام الماضي، مع تفجيرات في لبنان، اليمن، مصر، المملكة العربية السعودية، تونس وتركيا مما أسفر عن مقتل مئات الأشخاص. كما أطلق تنظيم الدولة هجمات في الغرب عندما قتل أنصار التنظيم أكثر من 120 شخصًا في باريس بفرنسا، وأربعة عشر في سان برناردينو بولاية كاليفورنيا الأمريكية.
تمثل هذه الاتجاهات نذير سوء للجماعات الأكثر اعتدالًا في عام 2016 وللأمن في المنطقة. سوريا وليبيا واليمن معرضة بشكل خاص، على الرغم من مبادرات السلام الجديدة.
ولم تكن الميليشيات المتطرفة التي تسيطر على الإقليم في جميع الدول الثلاث جزءًا من مفاوضات السلام، ومن غير المرجح أن تتعاون إذا كانت هذه المفاوضات يجب أن تنجح. وفي الوقت نفسه، انتهجت مصر وتركيا سياسات قمعية على نحو متزايد ضد مجموعة واسعة من جماعات المعارضة، لتبرير القمع كرد فعل على التطرف الإسلامي.
تهميش الأحزاب الإسلامية هو نكسة بعد الفرص السياسية غير المسبوقة التي قدمها الربيع العربي في عام 2011. فازت جماعة الإخوان المسلمين في مصر بالرئاسة والنصيب الأكبر من المقاعد في البرلمان إلى أن تم الانقلاب عليها وتم إعلانها منظمة إرهابية في عام 2013.
وبحلول نهاية عام 2015، فقدت الأحزاب الإسلامية في جميع أنحاء المنطقة الانتخابات، تم حظرها أو اختارت مقاطعة الأنظمة السياسية التي تميل بشكل متزايد ضدها.
في مصر، فاز حزب النور السلفي فقط بـ12 مقعدًا في انتخابات 2015 البرلمانية المثيرة للجدل، مقارنة بـ121 مقعدًا في الانتخابات البرلمانية التي جرت في عام 2011. كما حطمت حركة مجتمع السلم الجزائرية مصداقيتها من خلال تعزيز العلاقات مع جبهة التحرير الوطني الحاكمة. وأُضعفت جبهة العمل الإسلامي في الأردن بشقوق داخلية عميقة.
أما حزب العدالة والتنمية في المغرب، وإن كان لا يزال أكبر حزب في البرلمان، فإنه لا يحظى بنفوذ سياسي كبير إلى حد ما.
بعد تراجعه إلى المركز الثاني في الانتخابات التي جرت في عام 2014، نجا حزب النهضة التونسي من خلال الانضمام إلى حكومة ائتلافية مع حزب نداء تونس، وهو حزب علماني فاز بالكتلة الأكبر في البرلمان. وكان حزب العدالة والتنمية في تركيا استثناءً آخر. حققت أحزاب المعارضة إنجازًا قويًا في انتخابات يونيو، لكنها فشلت في تشكيل حكومة ائتلافية وفاز حزب العدالة والتنمية بأغلبية برلمانية في الانتخابات البرلمانية المبكرة في نوفمبر الماضي.
ولكن أردوغان وحزب العدالة والتنمية، الذي كان ينظر إليه كنموذج للحزب الإسلامي في المنطقة، قلص بشكل متزايد الحريات الصحفية وأسكت المعارضة. ووصفت لجنة حماية الصحفيين تركيا بأنها “سجن أوروبا وآسيا الوسطى الرائد للصحفيين”.
خلفت الصراعات أيضًا مساحة صغيرة للأحزاب السياسية. وثمة تقارير تشير إلى عودة المئات من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين في سوريا إلى سوريا في عام 2015 لحشد المعارضة ضد الرئيس بشار الأسد، ولكن التنظيم يكافح التمويل والتجنيد ضد الميليشيات.
حزب الإصلاح اليمني، فرع آخر للإخوان المسلمين، حاز عشرات من المقاعد في البرلمان من قبل. أحد أعضائه، توكل كرمان، حصلت على جائزة نوبل للسلام في عام 2011.
في عام 2015، كان على كل بلد تقريبًا في المنطقة – بغض النظر عن سياساتها – أن تتنافس مع قوة الميليشيات، فضلًا عن تنظيم داعش والقاعدة. في بعض البلدان، حارب المتطرفون الإسلاميون حتى بعضهم البعض.
تطورت داعش إلى شبكة من الفروع في ثمانية بلدان على الأقل، مما أفضى إلى توسعها بدرجة أبعد من مركزها في العراق وسوريا.
في ليبيا، تصدر أنصار داعش عناوين الصحف هذا العام لقيامهم بذبح مجموعة من المسيحيين المصريين، فضلًا عن السيارات المفخخة ومهاجمة سفارات أجنبية. في اليمن، قتل تنظيم داعش مئات الأشخاص في هجمات على مساجد الحوثيين في مارس وسبتمبر. وفي غزة، تعهد أنصار داعش بإسقاط حماس. وفي لبنان، تبنى تنظيم داعش اثنين من الهجمات الانتحارية في بيروت، مما أسفر عن مقتل أكثر من 40 شخصًا في نوفمبر الماضي.
ولم تكن حتى البلدان المستقرة نسبيًا في مأمن من هجمات داعش. في تركيا، أعلن تنظيم داعش مسؤوليته عن قتل أكثر من مائة شخص في مسيرة سلمية في أنقرة في أكتوبر الماضي. وفي تونس، قتل التنظيم عددًا من السياح في متحف باردو ومنتجع الشاطئ في سوسة.
في وقت لاحق، استهدف التنظيم كذلك حافلة تقل مجموعة من عناصر الحرس الرئاسي في تونس. وشهدت مصر ما معدله 115 من الهجمات الإرهابية التي شنها متطرفون إسلاميون ما بين شهري يناير وأغسطس 2015، مقارنة بأقل من ثلاثين هجومًا في الشهر في عام 2014، وفقًا لمعهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط.
ثمة اتجاه آخر مثير للقلق في تحول الهجمات الإرهابية بشكل واضح نحو أهداف غربية. بالإضافة إلى الهجمات التي استهدفت العاصمة الفرنسية باريس في نوفمبر الماضي وفي ديسمبر في ولاية كاليفورنيا الأمريكية، أعلن تنظيم داعش مسؤوليته عن تفجير طائرة ركاب روسية فوق شبه جزيرة سيناء المصرية في أكتوبر الماضي، مما أسفر عن مقتل 224 شخصا ممن كانوا على متن الطائرة.
يعقد التنافس بين داعش والقاعدة الأزمة بدرجة أعمق. لأكثر من عقدين من الزمن، كان تنظيم القاعدة بمثابة التنظيم الجهادي السائد في جميع أنحاء العالم. ولكن بعد أن استبق تنظيم داعش تنظيم القاعدة بإعلان الخلافة العالمية في عام 2014، أعلنت العديد من التنظيمات التابعة للقاعدة، بما في ذلك تنظيم بوكو حرام وأنصار بيت المقدس، ولاءها لتنظيم داعش. قد تفضي المنافسة بين داعش والقاعدة إلى مزيد من العنف، سواء بين الجماعات أوضد الآخرين.
في الوقت الذي أصبحت فيه الجماعات المتطرفة تنظيمات عنيفة أكثر من أي وقت مضى، وغدت الأنظمة السياسية أكثر قمعًا، فقد وجدت الأحزاب الإسلامية غير العنيفة نفسها مدفوعة أيضًا إلى هامش النقاش السياسي في عام 2016.
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».