لم تعد من رغبة فعوامل تحقق السعادة ماعادت تجد بيئة صالحة هنا. نحن نتعذب مثل العبيد والأرقاء حين يتحملون ألوان التنكيل والإهانات، وعليهم أن يعملوا بصمت ليجدوا بعض الطعام، وقليلا من الراحة، ومزيدا من الخوف والقلق والترقب، فهم ملزمون بالعمل طوال النهار وبعض الليل دون أن يكون بمقدورهم الشعور بالتعب، أو طلب الراحة من سيدهم المطاع في الحقل، أو في المزرعة الكبيرة، أو في المصنع الكبير، ولابد من زيادة الإنتاج ليمتلأ جيب سيدهم الأبيض، بينما ليس مهما أن يجوعوا، أو يتعبوا لأن صوتهم غير مسموع.
نحن مثلهم تماما في بلادنا، لكننا يمكن أن نشبع من الطعام، ويمكن أن نرتو من الماء ومشروبات متاحة، المشكلة التي تطاردنا إننا أصبحنا مثل خروف مربوط بحبل ويقدم له صاحبه الطعام والشرب فيشبع وقبل أن يبدأ بإجترار مادفعه الى معدته يطلق صاحبه ذئبا صغيرا ليس له أنياب حادة يظل يدور حول الخروف فيرهبه ويجعله يفقد الرغبة في الطعام، ولايعود ماأدخله في بطنه مفيدا، فهو يرتجف فزعا، ويكاد يموت، وربما تحسس أنه سيكون بعد برهة في بطن الذئب.
في بلادنا يطاردنا القلق من الغد، ونتحسس أن خطرا ما يحيط بنا مثل شبح يخط طريقه في الأثير ويقفز من فوقنا ويعلو رؤوسنا ولانراه لكننا نشعر به، نحن نعلم جيدا ماهي المخاطر لكننا لانستطيع مواجهتها، فهي ليست بصورة واحدة، بل تتعدد وتزدادا وتملؤنا رهبة، نحن نخاف من بعضنا، نخاف من السلطويين، ومن اللصوص وقطاع الطرق والمتسيدين الجدد، ومن يستقوي علينا بمجموعة مسلحة، أو بجماعة تخيف ولاتبالي ولاتشعر بالحرج من إذلال الناس والتنكيل بهم والحط من قدرهم وتذيقهم أصناف المرارات وتطلب منهم ملايقدرون على تحمله وتحولهم الى عبيد غير مختارين.
لانتمكن من الخلاص وتظل قيودهم تكبل مابقي لنا من قوة وصمود في مواجهة تحد لانقوى عليه، ونحن متسمرون في أماكننا ننتظر مايقرره الأسياد، وننفذ مايأمرون به بصمت، لانعلق لأن التعليق ليس من شأننا، وألسنتنا مجرد آلات معطلة، يمكننا أن نهذي ببعض الأحاديث، أن نثرثر قليلا لكن بهدوء مثل أحاديث ربات البيوت.
نحن بلاحضور، ولاتأثير، ولانزعة الى التمرد والعمل من أجل التغيير. نشتم من لانخشاه، ونتوسل بمن يخيفنا بهراوة، أو بندقية، أو من شخص ما على ناصية الشارع يتوعدنا بالويل والثبور وعظائم الأمور، وليس من شأننا سوى أن نبجله ونحرق له أعواد البخور.