لم يعد الاستثمار بالنسبة للشعب العراقي "كمصطلح" إلا طريق لنهب الأموال، وهذا غير متعارف في كل دول العالم، فالاستثمار هو توريد رؤوس الأموال إلى البلد واستخدام الطرق الإبداعية في بناء البنى التحتية والخدمية كالمستشفيات والمدارس. وبرغم وجود هيئة للاستثمار ورئيسها بمثابة وزير، ولها فروع في جميع المحافظات، وتعمل منذ 2003 ولحد الآن، لم تحقق ما مرجو منها ولو بالحد الأدنى، ولم تستطع إدخال الأموال واستغلال ما متوفر من إمكانيات هائلة في هذا المجال، ولم تنجح في بناء معامل أو مصانع أو أي مرافق خدمية أخرى، ما عدا اليسير في مجال النفط فقط الذي لا يخلو من إشكالات كبيرة. فشلت كل الوزارات بما فيها وزارة الكهرباء، بالرغم من صرف "عشرات المليارات" في توفير ابسط الخدمات للمواطن، والبلد ظل يحتل المراتب الأولى عالميا في الفساد، وبعد انهيار أسعار النفط لجأت الدولة إلى الاستدانة من صندوق النقد الدولي، ورفع الاستقطاع الضريبي على الموظف والمواطن وآخرها الاستثمار في تسعيرة الكهرباء مما ينذر بكارثة اقتصادية تقضي على الطبقة المتوسطة، فيما لو استمرت الدولة بسلب "جُلبة" الفقراء. الاستثمار في تسعيرة الكهرباء، لا في الإنتاج ولا في الشبكات ولا في التوزيع، لأن الوزارة لم تستطيع تنفيذ الجباية، وهذا أمر عجيب وشديد الغرابة، فمن أين جاءت قوة المستثمر "الذي يعتمد على كوادر الوزارة" حتى يقوم بما عجزت عنه الدولة؟ فالمستثمر بعد أن "يقبض" من المواطن، سيقوم بدفع رواتب فنيي الوزارة والقيام بأعباء تصليح الشبكات، وأعمال أخرى، على أن يجني أرباح تقدر ب 17% من الوارد الكلي. مشكلة المواطن مع التسعيرة وموعد الجباية، وليس مع الاستثمار، فالاستثمار شأن يخض إدارة أموال رعايا الدولة وعيالها، "والتسعيرة" تخص جيب "أبو العيال"، فهي أي التسعيرة غير واضحة وغير معلومة للمواطن البسيط، ولذلك سنقوم بحسبة بسيطة، عسى لأن نتمكن من رفع بعض الغموض. الطاقة المستهلكة للجهاز الكهربائي تساوي قدرته (كيلو واط) في الزمن( الساعة)، وتسمى أيضا الوحدة القياسية(كيلو واط- ساعة)، والقدرة تعني الفولتية (220فولت) مضروبة في التيار الذي يستهلكه ذلك الجهاز، "هناك جهاز لقياس التيار الكهربائي" لكل جهاز، أما الكلفة فتحسب بضرب الطاقة المستهلكة بتسعيرة الوحدة بالدينار لكل كيلو واط- ساعة. أي أن الكلفة = الطاقة المستهلكة(كيلوواط ساعة)X سعر الوحدة القياسية، بالدينار/كيلوواط ساعة، فلو كان لدينا منزل من أسرة متوسطة من 6 أفراد، حساب تكلفة جهازي تكييف لمدة شهر كامل وكل يوم 12 ساعة، تكون حوالي 50 ألف دينار. المشكلة في حساب الوحدات وهي مسألة بعيدة جدا عن فهم المواطن للموضوع، وتحسب على أساس الألف الأول والألف الثاني وهكذا، وتعطي أسعار ليست عالية جدا لمن يستهلك أقل من 3000 وحدة، لكن عندما يتم استيفاء المبالغ كل شهرين تحل الكارثة ليتضاعف المبلغ عده مرات مع تضاعف الوحدات مرة واحدة (6000 وحدة). الاستثمار في تسعيرة الكهرباء يبين ضعف الحكومات المتلاحقة في حل مشكلة الكهرباء، وعدم شفافية الموضوع والابتعاد عن تفاصيله، يوحي بأن الأمر دبر بليل، وسيكون وباله كبيرا على الطبقة المتوسطة، وسيكون التلاعب بتسعيرة الوحدات المتتابعة والجباية الشهرية هي "اللعبة" التي تقصم ظهر المواطن. باقر العراقي