قرأت قبل سنين ان نائبا لرئيس الوزراء العراقي كان في زيارة لمصر عام 1963 ، فطلب ان ينام مع احدى الراقصات الشهيرات وقت ذاك ، فقيل له : حاذر فان اجهزة المخابرات ربما صوروك عاريا معها ، فاجاب بكل راحة ووقاحة : دعهم يصورونني ويرون اعضائي (….) كلها !!! وقد سكر تلك الليلة حد الثمالة وفعلها ، قلت في نفسي : اذا كان مثل هذا الشخص يقود العراق وهو فاقد للحياء وغير ممتثل للاخلاقيات والاعراف ، ولا يهمه ان يرى العالم عوراته ، بمعنى كم يضم هذا المجتمع من فاقدي الاخلاق ! عندما تنتقد الممارسات الخاطئة في الشخصية العراقية ، وتكشف عن الحقائق المغيبة ، يخرج البعض كي يعترضوا عليك بحجة جلدك للذات ، عندما نقول ان اخلاقيات المجتمع قد تغيّرت نحو الاسوأ ، وافتقد الناس السلوك السوي ، يتبارى العديد من الاشباه والنكرات والامعّات بالدفاع عن حالات مرضية ، او اوضاع سيئة وافكار بالية وممارسات دنيئة ، عندما نقول بأن مجتمعنا قد انحدر كثيراً ، وقد فقد قيمه ومبادئه المدنية وحتى سلوكياته السوّية ، يجيب هذا وذاك مدافعاً عن فضائح ومنكرات وافعال رذيلة باسم الحريات الشخصية والتمدّن ، وسرعان ما يقرن نفسه بالتقدم والدول المتقدمة ، عندما يتم توصيف جملة من الخطايا والتصرفات التي لا يقبلها المنطق ، وكلّ المفاسد التي تمارس في مجتمعنا علناً ، ونطالب بالحدّ منها سواء بتطبيق القانون او بوسائل قسرية ، يتبرّع البعض بالدفاع عن الفاسدين والجناة والزناة والابالسة والشياطين والمجرمين بأساليب مخادعة ليس للنفس بل للاخرين. ما نسمعه وما نراه اليوم في العراق من احداثيات ومشاهد وفصول من قبل عراقيين فقدوا كلّ اخلاقهم ، يكاد يكون حالة غير مألوفة في تاريخ المجتمع العراقي القديم او الحديث ، وان الصورة تزداد تشوّهاً يوماً بعد آخر ، وربما يستغرب البعض مما يحصل جراء عدم فهمه لتاريخ هذا المجتمع وسوء السياسات التي مورست فيه منذ عشرات السنين ، فضلا عن الشخصية العراقية المضطربة والقلقة التي تسعى دوماً نحو غاياتها بأية وسائل غير مشروعة وأساليب غير نظيفة ، بل وحتى غير اخلاقية بالمرة ، وبالرغم من أن مجتمعنا اليوم يعيش الفوضى العارمة بعد الفوضى المنظمّة التي عاشها قبل سنين ، فان السياسات الحزبية هي الميدان المكشوف لممارسة كل الموبقات والادران في دكاكينها او دهاليزها ، وهي التي اوصلت ولم تزل توصل البعض الى السلطة باساليب ووسائل قذرة ، وهي كما يبدو الغاية التي يسعى اليها اغلب العراقيين تبرر كل القاذورات. ان البعض ممن تعّود على الرذيلة ، لم تعد تشكّل عنده الفضيحة حالة مخجلة ، فهو يفعلها خلسة أو علناً ، وقد فقد حياءه وماء وجهه ، ليخرج على الناس بكلّ رعونة ووقاحة ليكذب وينتحل كلّ الاعذار الكاذبة ، ويتكلّم بمثالية عالية ويردد تقديس الوطن ، ويتغافل عن الفعل المفضوح الذي صنعه هو نفسه وانتشر أمام الملايين ! نحن ليس امام انسان مخطئ واحد ، وكأننا في مجتمع مثالي ، اننا ازاء مجتمع افتقد اخلاقياته العالية تماماً ، بحيث خرج علينا ليس ليدافع عن جريمة ، بل ليبيح كلّ الوسائل الدنيئة في مجتمع لم يزل يعتبره عظيماً في ذاكرته التي تربى عليها عقوداً بائسة من الزمن. المشكلة الحقيقية ليست في الناس السذج والقاصرين والصالحين واغلبهم من الطيبين ، ولكنها مغروسة في شرائح اجتماعية وجدت نفسها في اماكن ليست اماكنها ، وحملت شهادات وتمتعت برتب ودرجات ليست تستحقها ، وتقلبّت مع انظمة سياسية متنوعة ، وتربت على الفحشاء والمنكر منذ صغرها ، ومن يفتح سير هؤلاء واسرارهم سيندهش ، فهل يعقل ان تصل احداهن الى رتبة برفيسور في جامعة ، وتلحق بها فضيحة شنيعة مثل هذه لكي تخرج على الناس تبررها بمثل هذه السهولة وبمنتهى السخافة ؟ وكم كنت اتمنى عليها ان تختفي وتستتر ازاء هذا الابتلاء ، وكما يقول المثل العامي : ” العذر اقوى من الصوج ”!. صحيح ان مشكلتنا مع من كان وراء صناعة هذه الفضيحة ، وبوسيلة بمنتهى النتانة ولكن علينا ان نتساءل أولا عن المبدأ الذي أباح او أجاز لأمرأة عراقية كبيرة السن ممارسة مثل هذا الفعل الشنيع ؟؟ ان اي عراقي او عربي له شهامته ، سيقرف من ذلك تماماً ، ولكن لا يمكن ان يمرره مرور الكرام ، واذا قبلتموه كما قبله – كما يبدو – اقرب المقربين اليها واهلها وعشيرتها وجامعتها وطلبتها وحزبها وكلّ الدولة ، فسيكون ذلك امراً عادياً لا فعلاً شنيعاً في عرف العراقيين واخلاقياتهم مستقبلا ، انني اعلم ان هناك افعالا دنيئة مثل هذه قد ارتكبت في العراق لدى اخريات سافلات ، وغدون مع ازواجهن في مناصب عليا ، ولكن بوسائل مخفية ، ولم تزل تحيط بها الاسرار ، ولم تنفضح وتنشر على الملأ ، ان الخطورة اجدها أيضا عند كل من قام بترتيب نشر هذا الفيديو وترويج هذه الفضيحة مهما كانت اغراضه ، وان الاخطر أجده ايضا في كلّ من قام بالتغافل عن المبدأ ، واستخفّ بهذه الوسيلة متعاطفاً معها ! وبدأ يتّهم او يلقي بالتهم على هذه الدولة او تلك الاجهزة. من البؤس ان يقارن البعض مثل هذه الحالة بغيرها من الحالات التي تحدث في مجتمعات اخرى في العالم باسم الحريات والتحرر ، وكأن الامر طبيعي هناك ، ان كل الشخصيات العامة في اي بلد تلاحق لالتقاط اية فضيحة كي تروج بين الناس ووكالات الاخبار ، وتصل اغلبها الى المحاكم لتطبيق القانون سواء في بريطانيا ام فرنسا ام اميركا ودول اخرى، فالامر لا يخص الحريات الشخصية وكأنها غدت ملاذا للفوضى وتدمير المجتمع ، ان افعالا بائسة مثل هذه ليست مباحة في مجتمعات الدنيا. ان الشخصية العامة او الاكاديمية او السياسية تتعرّض للمسائلة والتحقيق وتساؤلات صعبة ، بل ان بعضهم تعّرض لمواقف صعبة جدا ، فآثر الانتحار او الاختفاء في مكان مجهول !اننا لسنا ضد حريات المرأة ، فلقد نادينا بذلك منذ زمن طويل وان تنال المرأة حقوقها ولها حق التصرف بعواطفها وميولها وتحقيق رغباتها ، وما تمنحه لمن تحب وتهوى ، ولكن شريطة ان لا تتحوّل المرأة الى سلعة في سوق النخاسة ، او مجرد عهر مفضوح لفيديو تتناقله الملايين من البشر ، وضد كل الممارسات المستهترة بالكرامة والفضيلة والاخلاقيات العليا ، وان ذلك لا يختلف في شي من الاشياء عن كل الفاسدين الذين يزدحمون اليوم في العراق من اشباه نسوة ورجال ، وتجدهم من المبتذلين والتافهين الذين طبعوا هذا الزمن المنحوس بطابعهم التعيس وطباعهم الوضيعة. وعليه ، اتساءل : لماذا لم يتم التحقق الفوري عن هذه الفضيحة وصاحبتها ؟ فالتكتم لا ينفع ابدا رسميا ، انها قضية المجتمع كله ، وليست مسألة تتعلق بحزب معين او شخص معيّن ، وهي ليست مجرد فضيحة من اجل تسقيط سياسي لسيدة مغمورة لا تدري الناس كيف وصلت الى هذه المرتبة العلمية في العراق ! ونكتفي بهذا القدر السخيف من التعليقات المتناقضة، انها في الحقيقة محنة مجتمع كامل تعّرض لطعنة في خاصرته لابدّ من معالجتها بمنتهى الدقة والذكاء والحكمة ، ان الغاية لا تبرر الوسيلة.