د.بشار الحطاب
خبير قانوني
إن قيام البرلمان الامريكي بمناقشة اصدارقانون يمنح صلاحيات للرئيس الامريكي يمكنه من فرض عقوبات على الأشخاص الاجانب والكيانات الأجنبية التي تشكل تهديدا لتحقيق السلام والاستقرار في العراق، وحمل اسم القانون (منع زعزعة استقرار العراق) على الرغم من تناول القانون في اهداف تشريعه منع أي دور ايراني يمكنها مستقبلاً من زعزعة استقرار العراق، فأن صدور هذا القانون في الظروف الراهن الذي تمر به المنطقة من تصعيد بين الولايات المتحدة الامريكية وايران يعطي دلالة واضحة على رغبة الحكومة الامريكية في ابعاد العراق عن أي مواجهة أو تصعيد يحصل بين أمريكا وايران، خصوصاً أن السياسة الخارجية الأمريكية تعتبر أن وجود نشاطات لفصائل مسلحة في العراق قريبة من السياسة الايرانية يشكل خطراً على استقرار العراق في المرحلة المقبلة، ولتسليط الضوء على طبيعة الأثار لهذا القانون على الأوضاع الداخلية في العراق يمكن أن تناولها على النحو التالي:
1- القانون يمنح سلطة تقديرية للرئيس الامريكي في تحديد الكيانات والاشخاص الاجانب الذين الذين يشكلون تهديد على العراق في ثلاث مجالات: أمنية وسياسية واقتصادية وانسانية، مما يتيح تدخل امريكي واسع طبقاً للقانون يسعى لمعالجة المعوقات التي تحول دون استقرار الدولة العراقية.
2- قانون منع زعزعة استقرار العراق يخول الرئيس الامريكي جميع الصلاحيات الممنوحة له بموجب “قانون الطوارئ الاقتصادية الدولية” الذي تم إقراره عام 1977، ومنها حق فرض عقوبات أو معاقبة الحكام المستبدين أو الإرهابيين أو منظمات أجنبية تضر بالمصالح الأميركية، وينبغي على الرئيس في الحالتين أن يؤكد وجود “تهديدات غير طبيعية وخطيرة على الأمن القومي والمصالح الأميركية”. بمعنى أن التهديدات التي تسهم في عدم استقرار العراق ستكون بصورة غير مباشرة مصدر تهديد للأمن القومي الأمريكي، وفي ضوء ذلك سوف تتخذ جميع الاجراءات الممكنة للقضاء عليها بما فيها القوة العسكرية والعقوبات الأقتصادية والمالية وحجب الأصول وحظر جميع المعاملات في جميع الممتلكات والمصالح في الممتلكات الشخص الأجنبي الذي يقرره الرئيس على أنه خاضع للبند لقانون الطوارئ الاقتصادية الدولية.
3- النطاق الزمني لاتخاذ الاجراءات اللازمة من قبل الرئيس الأمريكي بعد نفاذ أحكام القانون لاتتجاوز ثلاثة أشهر من تاريخ صدور القانون، بذلك يكون من الواجب اصدار اللوائح الرئاسية التي تتضمن اسماء الأشخاص والشركات والبنوك والكيانات السياسية والمسلحة التي تشكل مصدر تهديد للمصالح الأمريكية في العراق.
4- يخول القانون الولايات المتحدة الأمريكية سلطة التدخل المباشر في العراق لازالة التهديدات التي تستهدف الأمن القومي الأمريكي، وذلك يشمل التدخل العسكري وكذلك السياسي تجاه الأشخاص غير المرغوب بهم من قبل الحكومة الامريكية خصوصاً اصحاب الفعاليات والنشاطات التي تدور في محور الصراع الامريكي – الايراني، بذلك سيكون القانون وسيلة للعزل السياسي من خلالها يتم استبعاد الشخصيات والأحزاب والكيانات العراقية التي من الممكن أن تشكل خطراً على الأوضاع العراقية. وبالتالي لايمكن للأفراد المعاقبين أن يتولوا مناصب سيادية في الدولة لصعوبة تمثيل المصالح الرسمية في ظل الحظر والعقوبات الأمريكية المفروضة عليهم والتي تحول دون استكمال شروط اشغال المناصب والعناوين التي تشارك في رسم السياسية العامة للدولة.
5- الأفراد والاحزاب والكيانات التي سوف تخضع للوائح العقوبات الأمريكية في العراق سوف لن يكون لها دور في الحياة السياسية خلال المرحلة المقبلة مالم يتم رفع اسمائها من تلك العقوبات ومناط ذلك الأمر سببين: الأول أن اتفاقية التعاون بين جمهورية العراق والولايات المتحدة الامريكية تلزم الحكومة الامريكية أن تبذل أقصى جهودها للعمل ومن خلال حكومة العراق المنتخبة ديمقراطياً من أجل دعم وتعزيز الديمقراطية والمؤسسات الديمقراطية في العراق التي تم تحديدها وتأسيسها في الدستور العراقي، ومن خلال ذلك، تعزيز قدرة العراق على حماية تلك المؤسسات من كل الأخطار الداخلية والخارجية، والثاني تكون آليات تنفيذ العقوبات الأمريكية على المستوى الوطني تجاه المشمولين بها من خلال لجنة التنسيق العليا المشكلة بين الحكومة العراقية والحكومة الامريكية لمراقبة التنفيذ العام لهذه الاتفاقية التعاون الاستراتيجي وتطوير الأهداف المتفق عليها. وتجتمع اللجنة بصفة دورية وقد تشمل ممثلين عن الوزارات والمؤسسات ذات العلاقة.
ويبقى السؤال الأهم في هذا الشأن هل تحديد القضايا التي تدخل في دائرة مايهدد استقرار العراق وسلامته الأمنية والأقتصادية والسياسية سوف توضع بالاتفاق بين سياسة كل من الحكومتين الامريكية والعراقية في معالجة القضايا الداخلية العراقية ؟ وهل ستخضع للتوازنات السياسية ؟ أم سوف ترسم الخطط والبرامج بالإرادة المنفردة للحكومة الامريكية وبما يخدم مصالحها الخارجية، وبغض النظر عن مصدر هذه المعايير وطبيعتها فأنها يجب أن تكون محل رقابة برلمانية من خلال اللجان المتخصصة لبيان نتائجها على حفظ الاموال العامة ومدى حمايتها لحقوق الدولة، كذلك يجب أن تكون لوائح العقوبات متوافقة مع أمرين: الأول انسجامها من أحكام الدستور ولاتنتقص من سيادة العراق، والثاني تسهم في تعزز بناء مؤسسات الدولة والحفاظ على الحقوق والحريات العامة للمواطنين.