الـ Packing: نقلة كبيرة في عالم إحصائيات كرة القدم
تعرف على النظام الجديد الذي سينقل عالم الإحصائيات في كرة القدم لآفاق جديدة وأكثر منطقية...
كتب | أليف سبعلنفترض أننا سألناكم عن هوية الفائز في مباراة كرة قدم استحوذ فيها الفريق (أ) على 52% من الكرة وسدد 18 كرة وتحصل على 7 ركلات ركنية، مقابل 14 تسديدة و5 ركنيات لمنافسه، الفريق (ب). العديد منكم سيقولون إن الإحصائيات ترجح كفة الفريق (أ)، البعض ربما سيقولون إن الإحصائيات متقاربة بشكل يصعب الحكم من خلاله، لكنه من الصعب جداً أن يتوقع أحد أن هذه المباراة انتهت بنتيجة 7-1 للفريق (ب) في نصف نهائي كأس عالم!! نعم، هذه كانت إحصائيات مباراة المانيا والبرازيل الشهيرة، وإن شئتم سنمنحكم القليل من الوقت لتذهبوا إلى Google وتتأكدوا بأنفسكم...
عدتم؟
تأكدتم؟
أهلا بكم من جديد.
مباراة إستاد المينيراو الشهيرة ليست الوحيدة التي انتصر فيها الفريق صاحب الإحصائيات "الأسوأ"، ولن تكون الأخيرة. لكن أهم ما تبرزه مثل هذه المباريات هو أن الإحصائيات التي اعتدنا سماعها ومناقشتها (كنسبة الاستحواذ، نسبة التمريرات الصحيحة، عدد التسديدات على المرمى، وغيرها) لا تعطي فكرة واضحة عن الفريق الذي قدم مستوى أفضل وأمتع داخل أرض الملعب أو عن مستوى اللاعبين دون أن يتم تحليلها بشكل أدق. فهذه الإحصائيات لوحدها ليست سوى بضعة أرقام. فهل يمكن اعتبار سوكراتيس (مدافع بروسيا دورتموند) ممراً أفضل من مسعود أوزيل فقط لأنه يملك نسبة أفضل من التمريرات الناجحة خلال الموسم الماضي (89% مقابل 87%)؟ بالتأكيد لا! فجميعنا ندرك أن أغلب تمريرات سوكراتيس تكون تمريرات عرضية بإتجاه ماتس هاملز أو تمريرات خلفية، بينما يحاول اوزيل في معظم الأحيان إيصال الكرة إلى أخطر منطقة في الملعب. مما يعني مخاطرة أكبر وفرصة أكبر لأن تقطع الكرة. لكن نظام الإحصائيات المستخدم حالياً في تحليل كرة القدم لا يأخذ بعين الاعتبار مبدأ المخاطرة والفائدة، بل يعامل جميع التمريرات والتسديدات (وأي عملية يقوم بها أي لاعب) بطريقة عددية بحتة.
لذلك قرر شتيفان راينارتز (لاعب سابق في باير ليفركوزن ومنتخب المانيا، اعتزل مؤخراً في سن السابعة والعشرين) ويانس هيجلر (لاعب حالي في هيرتا برلين) إيجاد طريقة أكثر عدلاً وتطوراً لتقييم أداء الفرق واللاعبين. ومن هنا أتت فكرة الـPacking، والتي بدأت تشق طريقها في عالم البوندسليجا بعد أن طلب كل من توماس توخيل، روجر شميدت، رالف رانييك، ويواخيم لوف استخدامها خلال الموسم المقبل. الفكرة الأساسية خلف هذه الإحصائية الجديدة هي أن كل عملية تتم في أرضية الملعب (تمريرة، مراوغة، ركض بالكرة، قطع الكرة، وغيرها) يجب تقلل عدد اللاعبين المدافعين (أي لاعبي الفريق الخصم) بين الكرة والمرمى لكي يكون لها فائدة هجومية. فمثلاً، التمريرة العرضية بين قلبي الدفاع والتي لا تتجاوز أي لاعب مدافع لا تحصل على أي نقطة، بينما ستحصل تمريرة من قلب الدفاع إلى لاعب الارتكاز، والتي تتجاوز المهاجم الذي يحاول الضغط، على نقطة Packing واحدة لأنها تجاوزت لاعباً واحداً وأخرجته من اللعب (أو بالإنجليزية The defender was packed). لكن التطبيق العملي لفكرة راينارتز وهيجلر أكثر تعقيداً وتطوراً من هذه الفكرة البسيطة ويمكن تلخيصه بالنقاط التالية:
• يحصل من يرسل التمريرة ومن يتلقاها عل نفس عدد النقاط (المتعلق بعدد المدافعين الذين تجاوزتهم الكرة)، وذلك لأن كل تمريرة ناجحة تحتاج لمن يتلقاها بشكل ناجح ويبقيها بحوزة فريقه (بنفس منطق إحصائيات كرة القدم الأميركية حيث يحصل مرسل الكرة ومتلقيها نفس المديح).
• الركض مع الكرة ومراوغة الخصوم يمنح اللاعب نقاط Packing بحسب عدد اللاعبين الذين تجاوزهم وليس فقط أولئك الذين راوغهم بشكل مباشر.
• مقابل كل نقطة إيجابية للفريق المهاجم، يحصل الفريق المدافع على نقطة سلبية.
• يحصل المدافع الذي يقطع الكرة على نقاط Packing بحسب عدد لاعبي فريقه الموجودين أمامه لحظة قطعه الكرة (أي اللاعبين الذين كانوا خارج اللعبة). هذه الطريقة تمنح المدافع الأخير الذي يفتك الكرة من لاعب مهاجم كان على وشك الانفراد بالحارس نقاطاً أكثر من لاعب ارتكاز ينجح في افتكاك الكرة في وسط الملعب وخلفه يوجد 5 من زملائه يمكنهم مساندته، وهو أمر منطقي!!
• اللاعب الذي يفقد الكرة (Turver) يخسر نقاطاً بحسب عدد لاعبي فريقه الموجودين أمامه لحظة فقدانه للكرة، والذين أصبحوا خارج اللعبة بسبب فقدانه للكرة. وبالتالي، فإن قلب الدفاع الذي يفقد الكرة سيخسر نقاطاً أكثر من قلب الهجوم الذي يفشل في مراوغة ويفقد الكرة.
• النظام يمنح وزناً أكبر لتجاوز المدافعين الستة الأخيرين (بما فيهم الحارس). لذلك يوجد إحصائية ثانية تدعى Impect والتي تقيس عدد المرات التي تم فيها تجاوز أحد المدافعين الستة الأخيرين. إحصائية Impect تساعد على تحديد مدى فعالية الفريق في الوصول إلى مرمى الخصم وليس فقط تمرير الكرة في وسط الميدان.
• النظام يتجاهل التمريرات الخلفية أو تلك التي لا تتجاوز أي مدافع.
• أفضل طريقة لوصف النظام هي أنه يمنح أهمية أكبر لنوعية العمليات التي يقوم بها اللاعب من كميتها.
راينارتز وهيجلير لا يدعيان بأن نظامهما يمكنه أن يستبدل نظام الإحصائيات القديم بالأكمل، بل هو مكمل له ويساعد على تغطية عيوبه وإظهار الجوانب المهمة التي كان يهملها النظام القديم. والمثال القادم سيمنحكم نظرة بسيطة إلى الفارق بين نظام الـPacking والنظام التقليدي: الصورة تظهر توني كروس وهو يستعد لإرسال الكرة لتوماس مولر خلال مباراة نصف النهائي أمام البرازيل. تمريرة كروس لمولر تجاوزت 4 مدافعين برازيليين وسيطر عليها مولر بنجاح، لذلك حصل كلا اللاعبين على (+4) نقاط. مولر مرر بعد ذلك الكرة لميروسلاف كلوزه متجاوزاً مارسيلو (+1 نقطة). بينما حصل كلوزه على نقطة لتسجيله الهدف. بطل اللقطة بحسب نظام الـPacking هو توماس مولر بـ(+5 نقاط)، وهو أمر منطقي فمولر هو من أوجد المساحة خلف مدافعي البرازيل وركض في الوقت المناسب لإستقبال كرة كروس وتمريرها لكلوزه. كروس حصل من خلال تمريرته المتقنة لمولر، والتي كشفت سوء تمركز لاعبي البرازيل، على نقاط أكثر من كلوزه والذي أنهى كرة كان بإمكان أي مهاجم في البطولة إنهائها. أما نظام القديم فكان سيمنح المديح لكلوزه لتسجيله الهدف، ومن ثم لمولر لمنحه التمريرة الحاسمة، وكان سيمنح كروس تمريرة ناجحة إضافية لها نفس الوزن كأي تمريرة عرضية بين هاملز وبواتينج!!!
أحسن صورة لشرح نظام Packing pic.twitter.com/0pOb6y4vPk
— alif saba (@alif_saba) June 19, 2016
بكل تأكيد فإن نظام الـPacking ليس كاملاً بنسبة 100%، فالنظام لم يفسر كيف يتم التعامل مع الركلات الركنية (والتي تبدو كتمريرات للخلف) أو كيف يتم التمييز بين هدف يأتي من انفراد بالحارس وبين هدف ابراهيموفيش الشهير ضد إنجلترا. لكنه بالتأكيد قفزة نوعية في عالم إحصائيات كرة القدم والتي ستضيف الكثير للمشجعين والمحللين على حد سواء. والأهم أنها ستساهم في تطوير عمل كشافي الأندية من خلال منحهم نظرة أفضل وأكثر دقة إلى أداء اللاعبين الشبان، وهو أمر مهم بالنسبة لراينارتز وهيجلير. فالحافز الأكبر خلف هذا النظام كان مركز مخترعيه على أرضية الميدان، حيث يلعب كلاهما في مركز "الارتكاز الدفاعي" وكانا يشعران بأن الطريقة المتبعة لتقييم اللاعبين من قبل الكشافين والمدربين لا تمنحهما حقهما. أما نظامهما فيمنح توني كروس مثلاً لقب أفضل لاعب خلال الموسم الماضي بما أنه يملك معدل نقاط Packing يصل إلى 85 في المباراة الواحدة (أي أنه يتجاوز 85 مدافع كل مباراة)، بينما يبلغ معدل اللاعبين في مركزه 28 فقط!!!
وبالنسبة لمباراة البرازيل والمانيا الشهيرة فإن المانيا تفوقت في عدد نقاط الـPacking (402 مقابل 341) وعدد نقاط الـImpect (84 مقابل 53)!! الآن تبدو الأمور أكثر منطقية.