ملك بعد تحريرها من "داعش"... تعيش الحرية بذكريات صعبة
باللون الأحمر خط عناصر تنظيم "داعش" حرف "ن"، وتعني نصراني، على بيوت المسيحيين في الموصل. بهذا الحرف، أعلن "داعش" أن على المسيحيين مغادرة المدينة أو أنهم سيواجهون الإعدام. ترك المسيحيون بيوتهم لتصبح في ما بعد "عقارات تابعة لما يسمى بالدولة الإسلامية".
منذ 9 يونيو (حزيران) 2014، يوم سقوط الموصل بيد "داعش" توالت الهجمات والتهديدات على الأقليات في المدينة. بدأت بالمسيحيين ثم الشبك والإيزيديين. أما أهالي قضاء سنجار، أكبر مدينة للإيزيديين في شمال العراق، فلم يكونوا على علم بأنهم سيواجهون أكبر عملية للتطهير العرقي. فمع دخول "داعش" في 2 أغسطس (آب) 2014، إلى قضاء سنجار بدأت حملات الإبادة الجماعية. إذ قام التنظيم بإعدام الشباب وكبار السن واختطف عدداً كبيراً من النساء والفتيات والأطفال، وأضرم النيران في القرى الإيزيدية. كما قام مسلحو "داعش" بقطع رأس أكثر من 70 شاباً في قرية كوجو وحدها، وأخذوا جميع النساء والفتيات ليتم في ما بعد بيعهن كعبيد لممارسة الجنس.
فر الآلاف من الإيزيديين من قراهم. بعضهم وجد مكاناً آمناً في مخيمات اللاجئين في إقليم كردستان، أما البعض الآخر فوجد نفسه أسيراً لدى "داعش".
عانى الإيزيديون الاسترقاق والعبودية والإجبار على تغيير ديانتهم. قصصهم ليست نسجاً من الخيال، بل هي قصص واقعية يسردها من تحرر من سطوة "داعش". وملك سعد دخيل، أحد أبطال هذه القصة.
خمس سنوات في سجون "داعش"
لم تدرك ملك سعد دخيل، الطفلة ذات خمس سنوات، أن الأقدار ستغير حياتها وتجعلها تجابه الموت لحظة بلحظة. ملك كانت تعيش حياة طبيعية مع والدتها ووالدها في مركز قضاء سنجار، وكانت ترتاد مدارس رياض الأطفال في القضاء. دخول "داعش" قلب حياتها رأساً على عقب، بعدما أخذ التنظيم والدتها كسبية، لتعيش مع شقيقها رضوان فصولاً من المعاناة الطويلة وهي تتنقل من مكان إلى آخر. أما والدها فلا يزال مصيره مجهولاً حتى الآن.
يقول عم والد ملك الصحافي خالد تعلو القائدي، إنها عاشت خمس سنوات وستة أشهر وثمانية أيام في سجون "داعش"، بعدما أخذت والدتها سبية، التي عاشت بدورها سنوات من الظلم والمعاناة والقهر، وقد أجبرها التنظيم على تغيير ديانتها بالإكراه.
ويشير القائدي، في حديث إلى "اندبندنت عربية"، إلى أن "الحظ لم يحالفنا لإنقاذ والدة ملك وشقيقها. إذ توفي كلاهما في بلدة هجين السورية، إثر قصف قوات التحالف"، وأصيبت ملك بجروح. وبعدها نقلت إلى مخيم الهول مع زوجة الداعشي، الذي كانت والدة ملك سبية لديه.
خيط الأمل لإيجاد ملك
سنوات طويلة مرت غيرت ملامح ملك، لكن الصور التي أرسلتها والدتها قبل وفاتها أسهمت في التعرف إليها. إذ يوضح القائدي "قبل وفاة والدة ملك تواصلنا معها وزودتنا بصور حديثة لابنتها، أثناء وجودها ضمن المناطق المسيطر عليها من قبل داعش. ولو لم نكن نملك تلك الصور لكان من الصعب التعرف إليها، خصوصاً أنها كانت في الخامسة من عمرها عندما اختطفت، والآن بلغت الـ11 من العمر".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يضيف القائدي أن عملية تحرير ملك والتعرف إلى مكانها، كان عن طريق فتاة إيزيدية تحررت قبل فترة وأكدت وجودها في مخيم الهول. وبعد التنسيق مع قوات سوريا الديمقراطية والبيت الإيزيدي في إقليم الجزيرة السورية، حررت ملك.
يشعر القائدي بالأسف لأنهم لم يتمكنوا من إنقاذ والدة ملك وشقيقها رضوان، إذ باءت كل المحاولات بالفشل بسبب العمليات العسكرية التي شنت ضد المدن التي كان يسيطر عليها "داعش"، وعلى الرغم من إعطاء المهربين مبلغ 4 آلاف دولار أميركي.
الحرية مقيدة بذكريات صعبة
يوضح القائدي أنهم يتجنبون الحديث مع ملك حول الأيام التي عاشتها لدى "داعش"، حفاظاً على صحتها النفسية. ويشير إلى أنه لا توجد مراكز نفسية متخصصة لإعادة تأهيل الناجين من التنظيم، وإن وجدت فهي تقتصر على العلاج السريري والفحوصات اللازمة.
ملك تعيش الآن في مجمع شاريا قرب محافظة دهوك مع جدتها وشقيقات والدها اللواتي كنُ مختطفات من قبل "داعش". كما أن عمها الوحيد، ساهر، نجا من اختطاف التنظيم له. ملك تختزل كل السنوات التي عاشتها بحدث واحد تذكره دائماً، ولعله الأشد إيلاماً بالنسبة إليها، وهو وفاة والدتها وشقيقها.
هويات مزورة
يوضح الناشط الإيزيدي عيسى سعدو بأن هناك قاعدة بيانات أعدت منذ عام 2014، تضم أسماء كل المفقودين من الإيزديين.
سعدو يقول لـ "اندبندنت عربية"، إن هناك معلومات تفيد بوجود مختطفين إيزيديين في العراق وسوريا ضمن المفقودين الذين دونتهم قاعدة البيانات. ويشير إلى أن هناك صعوبات تتعلق بالتعرف إلى الأطفال الموجودين في الموصل، وذلك بسبب قيام عائلات "داعش" بتغيير أسماء الأطفال وإصدار هويات شخصية مزورة لهم أثناء سيطرة التنظيم على الموصل، بالتالي أصبح التعرف إليهم صعباً.
ويشير سعدو إلى وجود مختطفين في مناطق الجزيرة في البعاج، إضافة إلى مختطفين في محافظة الأنبار. أما في سوريا، فهناك مختطفون إيزيديون بين عائلات "داعش" في مخيم الهول في محافظة الحسكة، ومخيم عين عيسى في محافظة الرقة، إضافة إلى مناطق سيطرة جبهة النصرة والجماعات المتطرفة الأخرى في إدلب وغيرها.
وبحسب آخر إحصائية أعلن عنها مكتب إنقاذ المختطفين الإيزيديين، فإن عددهم هو 6417 منهم 3548 من الإناث، و2869 من الذكور. ووصل مجموع عدد الناجين من قبضة "داعش" إلى 3530، بينما بلغ عدد الناجيات من النساء 1199. أما الرجال فقد بلغ عددهم 339، كما وصل عدد الإناث من الأطفال إلى 1041، و951 من الأطفال الذكور.
ولا يزال هناك 2887 من الإيزيديين المختطفين لدى "داعش"، 1308 من الإناث و1579 من الذكور.