نيوزويك: هكذا كسب اكراد العراق العالم قبيل اعلان دولتهم المستقلة
بغداد – INA/ عندما بدأ تنظيم داعش تقدمه نحو الأراضي الكردية، في آب من العام 2014، مهدداً أربيل، عاصمة الإقليم الكردي، اضطر الرئيس الأمريكي باراك أوباما الى العودة مرة أخرى إلى العراق لحماية الجيب الكردي. وبدعم من القوة الجوية الأمريكية، ومحور الحرب على تنظيم داعش، ازدادت تطلعات القيادات الكردية نحو إقامة الدولة المستقلة.
يقول القادة الأكراد أن الاستقلال سيحرر شعبهم من أغلال دولة مزيفة صاغتها القوى الغربية في أعقاب الحرب العالمية الأولى.
وقد فقد الأكراد، خلال حربهم مع مسلحي تنظيم داعش على مدى الأشهر الستة عشر الماضية، الاتصال الحدودي مع العراق، ولا يمتلك الإقليم حاليا سوى مسافة 30 ميلا من الحدود مع القوات العراقية، وأكثر من 500 ميل مع مناطق يسيطر عليها تنظيم داعش. كما أن التمثيل السياسي في الحكومة الاتحادية في بغداد اليوم شرفي الى حد كبير. وقد تمكن الأكراد حتى الآن من استعادة أكثر من 8000 ميل مربع من تنظيم داعش، بما في ذلك النصر المهم الذي حققوه في سنجار في تشرين الثاني الماضي.
وقد تعزز ظهور السيادة الكردية في تشرين الأول 2014، عندما عبر أكثر من 156 مقاتلاً كردياً من البيشمركة، من خلال تركيا، الى بلدة كوباني في شمال سوريا لمحاربة تنظيم داعش. وبينما احتفل القادة الاتراك بيومهم الجمهوري، توافد الأكراد في ذلك اليوم لتحية البيشمركة في مشاهد بثت الروح القومية الكردية في النفوس. ثم أدى الانتصار الرمزي في كوباني لاحقا، إلى زيادة انخراط الولايات المتحدة عسكريا في سوريا.
وقد أثبتت البيشمركة أنها الحليف الرئيس والقوات البرية للتحالف الدولي الذي قادته الولايات المتحدة لمكافحة جهاديي تنظيم داعش، ويقوم التحالف حاليا بتزويدها بالأسلحة، وإن كان مسعود بارزاني يقول أن مقاتليه لا يتلقون ما يكفي من الاستعداد للحرب. وبسبب معارضة العراق لتسليح البيشمركة بشكل مباشر، يتم فحص جميع الشحنات في بغداد قبل وصولها إلى أربيل، مما يؤخر المساعدات العسكرية والإنسانية الحيوية.
وعندما انهارت ست فرق عسكرية عراقية في الموصل وما حولها، تم نشر آلاف إضافية من البيشمركة في ثاني أكبر مدينة نفطية في العراق، وهي كركوك، لملء الفراغ، والاستيلاء على حقول النفط المهجورة. وقد وصفت استعادة السيطرة على كركوك المتنازع عليها بشدة بين الأكراد والعرب، من دون اطلاق رصاصة، بأنها أضغاث أحلام للأكراد. لكن الأمر لم يكن كذلك، إذ تم، في غضون أسابيع، ربط حقول النفط مع خط أنابيب مستقل ممتد الى تركيا لتمويل الدولة الوليدة، التي اصبحت صادراتها النفطية الآن تزيد على 600000 برميل يوميا، وليس بوسع الحكومة في بغداد فعل شيء.
أما الحكومة في بغداد، فقد قامت من جانبها بإيقاف ارسال حصة الأكراد من الواردات الاتحادية في محاولة غير مجدية لإحباط طموحاتهم، وإجبارهم على القبول بحل وسط. ويعتقد الأكراد أن مبيعات النفط المباشرة تساهم في تسديد الديون المتزايدة، وتمويل الحرب على تنظيم داعش، ودعم ما يقرب من 1.6 مليون نازح عراقي معظمهم من العرب السنة الفارين من تنظيم داعش، بالإضافة الى ربع مليون لاجيء سوري.
بالإضافة الى مبيعات النفط وتعزيز الجيش، لدى حكومة الإقليم أيضا سياسة خارجية نادرة وأكثر انسجاما مع الغرب وحلفائه من بغداد. وقد دعا الأكراد الديكتاتور السوري بشار الأسد الى الرحيل، وقاموا بتدريب 6000 من أكراد سوريا على حماية مناطقهم. مع ذلك، تقوم الحكومة المركزية بمشاركة المعلومات الاستخباراتية مع سوريا.
وقد اكتسبت السياسة الخارجية للأكراد جاذبية لدى الحلفاء الغربيين في الشرق الأوسط، وهو ما يفسر حقيقة أن أربيل تتمتع بعلاقات دبلوماسية جيدة مع كل دول المنطقة، بما فيها تركيا والمملكة العربية السعودية، بشكل افضل من بغداد. كما اجتذبت هذه السياسة أيضا المصالح التجارية الكبيرة، وخاصة في مجال النفط والغاز في المنطقة.
ويضطر الأكراد، بسبب عدم امتلاكهم لساحل، الى عقد اتفاقات مع جيرانهم لتحقيق النجاح. ويبدو على المدى البعيد، أن تركيا ستدعم موضوع الدولة الكردية، من خلال استبدال واردات الغاز من روسيا مع إمدادات النفط والغاز الكردي الرخيص والمضمون. أما ايران، فإنها ستعترف في نهاية المطاف، أن من مصلحتها وجود أغلبية عظمى للشيعة في العراق. كما أنه من دون المشكلة الكردية الداخلية في العراق، من المرجح أن يكون العراق جاراً مسالما لكردستان.
وقد تسببت التطلعات الكردية منذ وقت طويل في استياء عامة العراقيين الذين يتهمون الاكراد بتشكيل دولتهم على حساب موارد الدولة العراقية. وفي جو يتميز بغياب الثقة، لا يزال كلا الطرفين متردداً في التزحزح عن موقفه. تريد بغداد من الأكراد أن يتنازلوا عن حقوقهم، بينما يرى الأكراد الذين حققوا الاستقلال الاقتصادي، حافزا ضئيلا يدفعهم الى العودة.
الآن هو الوقت المناسب لبدء محادثات رسمية من خلال تحديد موعد نهائي لثلاث سنوات من أجل تسوية الخلافات، ووضع اللمسات النهائية على طلاق ودي من العراق. وبدعم قوي من الغرب، يمكن لكردستان أن تصبح منارة للاستقرار والتسامح، وحصنا منيعا ضد الإرهاب في الشرق الأوسط.
لقد نحت الأكراد بالفعل دولتهم من أنقاض العراق، وكل ما يقف في طريقهم الآن هو الإعلان الرسمي لقيام تلك الدولة.
*الترجمة الى العربية: فريق الترجمة في “وكالة الأنباء العراقية” عن مجلة نيوزويك.